محمد الغباري
فيما تتطلع الحكومة اليمنية إلى تدخّل سعودي جديد لمساعدتها على صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، بسبب العجز الشديد الذي تواجهه نتيجة استمرار توقف صادرات النفط، توقّع البنك الدولي أن يسجّل الاقتصاد اليمني خلال هذا العام انكماشًا بنسبة نصف في المائة، وجزم بأنّ العام المقبل يحمل معه الكثير من عدم اليقين، إلا إذا انتهت القيود على تصدير النفط وحدث تطوّر في المفاوضات السياسية بين الحكومة والحوثيين.
مصادر في الحكومة اليمنية تحدثت عن "وضع اقتصادي صعب"، يجعلها غير قادرة على دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها خلال الشهرين المتبقيين من هذا العام، إذ إنها تسلّمت دفعة أولى فقط من المنحة المالية السعودية البالغة 1.2 مليار دولار التي قدّمت لتعويض وقف الصادرات النفطية، والظاهر أنها فشلت حتى الآن في إقناع الجانب السعودي بإطلاق الدفعة الثانية من المنحة نتيجة عدم الوفاء بالشروط والمتطلّبات التي وضعتها الرياض لتجنّب المخالفات المالية التي سُجّلت أثناء التصرّف بالوديعة السابقة.
بدوره، قدّم المرصد الاقتصادي للبنك الدولي، صورةً ضبابيةً لمستقبل الاقتصاد اليمني، وقال إنّ العام القادم يحمل معه الكثير من "عدم اليقين" بشأن المشهد الاقتصادي بسبب القيود المفروضة على صادرات النفط والمفاوضات السياسية الجارية. وجزم بأنّ استقرار الوضع الاقتصادي يعتمد على استدامة تدفّقات العملة الأجنبية والتطورات السياسية
وتوقّع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد اليمني خلال هذا العام بنسبة 0.5%، بسبب توقّف تصدير النفط نتيجة استهداف الحوثيين لموانئ تصديره، ووصف ذلك بأنه يشكّل نقصًا حادًا بالمقارنة مع معدل النمو الذي شهده اقتصاد البلاد خلال العام السابق 1.5%، وقال إنّ الاقتصاد واجه تحديًا آخر بسبب انخفاض الواردات وتحويلها من عدن إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي أعيد فتحها في إطار الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة.
ووفق ما جاء في التقرير، شهد العام الحالي تحديات عديدة بالنسبة للاقتصاد اليمني، حيث أدى انتهاء الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة إلى سلسلة من التطورات الاقتصادية الضارة. وتوقع أن يعيد هذا التسلسل في الأحداث الاقتصاد "إلى طور الركود". وأورد بعضًا من هذه التحديات، مثل تقلّبات أسعار العملة، وارتفاع التضخّم، واشتداد الاضطرابات الاجتماعية، حيث أثّر ذلك في تراجع أداء القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وخاصة القطاع الخاص. ورأى التقرير أنّ التحسّن في القطاعات الاقتصادية غير النفطية تعزّز من خلال زيادة في الإنفاق الاستهلاكي من قبل الأسر والحكومة، والذي ساهم بنسبة 1.1 نقطة مئوية و1.3 نقطة مئوية على التوالي، وبيّن أنّ البيانات أظهرت انخفاضًا كبيرًا بلغ 61% في الواردات عبر ميناء عدن الذي تديره الحكومة منذ بداية العام وحتى أغسطس / آب الماضي، في حين شهد ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين انخفاضًا أقل بكثير وبنسبة 8%. ورأى أنّ هذا التحوّل أثّر بشكل كبير على مساهمة ميناء عدن في إجمالي واردات البلاد.
وحسب التقرير، زادت الضغوط على المالية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وأعاد السبب الرئيسي لذلك إلى ركود صادرات النفط، حيث يشير التراجع الواضح في إيرادات الحكومة في النصف الأول من عام 2023 إلى احتمال حدوث انخفاض بنسبة 40% خلال العام، وقال إنّ هذا التراجع المتزايد، ناجم في معظمه عن الحصار النفطي، نظرًا لانخفاض الإيرادات الجمركية بسبب تحوّل الواردات عن ميناء عدن.
ووفق البنك الدولي، فإنّ الحكومة قامت بتخفيضات كبيرة في أوجه الإنفاق، إلا أنّ هذه التدابير "قد تفرض مزيدًا من التحديات" أمام الحفاظ على الخدمات العامة الأساسية وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وذكر أنه على الرغم من هذه الجهود، من المتوقع أن يظلّ عجز المالية العامة عند حوالى 2.9% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023.
وحسب ما أورده التقرير، فإنّ القطاع النفطي واجه انكماشًا كبيرًا، بسبب الحصار الذي فرضه الحوثيون على الصادرات، وأدى ذلك إلى خفض متوسط الإنتاج اليومي من 61600 برميل في عام 2021 إلى 51400 برميل في عام 2022. ورأى أنه يمكن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي إذا كانت هناك هدنة دائمة أو تمّ التوصل إلى اتفاقٍ للسلام. وأكد أنّ هذه الصعوبات المالية أجبرت الحكومة على الاستفادة من تسهيلات السحب الطارئة في البنك المركزي اليمني في عدن، مما أدى إلى زيادة بنسبة 10% في المطالبات على الحكومة في النصف الأول من عام 2023، وزيادة بنسبة 5% في الكتلة النقدية المتداولة.
ومع أنه أشار إلى تراجع معدّل التضخم العام في أعقاب انخفاض الأسعار العالمية للسلع الأولية، إلا أنه عاد وقال إنّ الوضع شهد تباينًا كبيرًا فيما بين مناطق اليمن، حيث شهدت صنعاء انخفاضًا أكثر وضوحًا في تضخّم أسعار المستهلكين، بينما ظلّت الأسعار في عدن مرتفعة بسبب انخفاض قيمة العملة.
أما الحكومة، وفي تقرير حديث عن الوضع الاقتصادي، فاتهمت الحوثيين بالتسبّب خلال عام واحد فقط من سيطرتهم على صنعاء في استنزاف إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الذي إنخفض إلى 1.3 مليار دولار في مارس/ آذار 2016 بدلًا من 4.2 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الذي سبقه، إلى جانب قيام الحوثيين بسحب 300 مليار ريال يمني (1.2 مليار دولار) لتمويل عملياتهم العسكرية.
وطبقًا لهذه البيانات الحكومية، فإنّ الإجراءات والإصلاحات التي اتُّخذت أدّت إلى تحقيق إستقرار في المعدّل العام للأسعار والحد من التضخّم الذي سجّل ارتفاعًا قدره 12.8 بالمائة بالمتوسط العام بين المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة وتلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، في حين أنّ البنك المركزي كان يستهدف تسجيل تضخّم بين 15 و 20 بالمائة.