21 نوفمبر 2024

الدولة الاتحادية الديمقراطية.. من الرفض إلى الحلم

* حسن الدولة 


لقد توصل اليمنيون عبر المكونات السياسية إلى وثيقتين في غاية الأهمية بشأن بناء الدولة الديمقراطية الاتحادية؛ الأولى "وثيقة العهد والاتفاق" التي حددت أسس بناء دولة اتحادية مكونة من ستة مخاليف الموقع عليها من قبل شريكي الوحدة الإندماجية ومعهما بقية المكونات السياسية والنخب السياسية والقبلية والتي رعاها الراحل الملك الحسين بن طلال ملك المملكة الهاشمية الاردنية (عمان) وذلك عام 1994م ؛ وتم نقضها والإنقلاب عليها قبل أن يجف حبر مداد الموقعين . 

والثانية "مخرجات الحوار الوطني الشامل" التي وضعت أسس بناء الدولة الاتحادية المكونة من أقاليم في الشمال والجنوب؛ وباكورة منتجاتها "مسودة الدستور" التي صاغها أساتذة في القانون الدستوري برئاسة فقيه القانون وأحد مؤسسي القضاء اليمني الحديث في اليمن الأستاذ "اسماعيل الوزير"، وتم تعطيلها أيضاً، وكان فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار أذهل جميع القوى السياسية بتلك التطلعات لبناء دولة يمنية اتحادية على أفضل نحو، وكانت محاضرات رئيس فريق بناء الدولة البروفيسور الشهيد أحمد عبدالرحمن شرف الدين. وكان الانقلاب على هذه الوثيقة بداية دخول اليمن في أسوأ كارثة حلت به عبر التأريخ القديم والحديث؛ وهذه الكارثة لا تزال تجر اذيالها منذ بداية الربع الرابع من عام 2014م .

وغني عن البيان بأن التطلع لبناء الدولة الاتحادية يتطلب فهمًا عميقًا للعلاقة الحقوقية بين الدولة والشعب، كما أشار القاضي عبد العزيز البغدادي. في مقاله المرفق ربطاً بهذا المقال والموسم ب: ( مفهوم العلاقة الحقوقية بين الشعب والسلطة).

 وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى أن النظام الديمقراطي يعتمد على انتخابات حرة ونزيهة، حيث يتمكن المواطنون من اختيار ممثليهم. 
هذا يعكس إرادة الشعب ويضمن له حق المشاركة في صنع القرار.
 حيث تتطلب الدولة الديمقراطية الاتحادية بأن تتمتع الأقاليم بقدر من الاستقلالية، مما يعزز من قدرة المجتمعات المحلية على إدارة شؤونها بما يتناسب مع احتياجاتها.

وكذلك يجب أن تكون العلاقة بين الدولة والشعب قائمة على الاحترام المتبادل. فالدولة ملزمة بتوفير الحقوق الأساسية (مثل التعليم والصحة والعدالة)، بينما يتحمل المواطنون مسؤوليات مثل الالتزام بالقوانين والمشاركة السياسية.

 وفي هذا السياق يجب مراعاة الشفافية والمساءلة حيث يجب أن تكون الدولة شفافة في تصرفاتها، وأن تكون هناك آليات للمساءلة تضمن عدم استغلال السلطة.

 ومن المهم جدًا العمل إلغاء أي تمييز جهوي أو عرقي أو مذهبي بين أبناء الشعب في عموم محافظات الجمهورية اليمنية الأمر الذي يتطلب أن تكون الهوية اليمنية هي الهوية الجامعة لكل الهويات الصغيرة المذهبية بما فيها ما أطلق عليه بالهوية "الإيمانية" التي هي في الأساس هوية فردية بين العبد وخالقه.

وكذلك يجب العمل على إزالة كل أسباب النزاعات العنصرية والجهوية والمذهبية؛ وكل ما له علاقة بالصراعات على السلطة، ذلك الصراع الذي يؤدي إلى اختلال العلاقة بين الدولة والشعب، مما يهدد الاستقرار السياسي. والحل الوحيد هو الإحتكام إلى صندوق الإقتراع، إذ هو صمام الأمان من كل تلك النزاعات والصراعات.

وفي هذا الصدد يجب مراعاة الدستور في تحريم أي ادعاء بالتميز العرقي أو الإدعاء بالحق الإلهي في الحكم: كما يجب أن تُبنى الأنظمة على أساس الإرادة الشعبية وليس على ادعاءات دينية أو تاريخية، حيث إن هذه الادعاءات قد تقود إلى استبداد السلطة.

وكما قال حكيم اليمن الأستاذ احمد محمد نعمان: بأن من الواجب على اليمنيين كي يخلصوا من الدولة المستبدة ومن الحاكم الطاغية الإستفادة من تجارب الأمم التي سبقتنا في بناء الحضارة وبعد أن عانت من اختلال العلاقة بين السلطة والشعب، مما أدى إلى عدم الاستقرار. يجب أن نتعلم من هذه التجارب ونبذ كل أشكال العنصرية والانقسام.

  وبخلاف ما حققته تلك الدول لشعوبها من الرفاهية والحريات والعدالة الإجتماعية في توزيع الثروة والسلطة هو جوهر الديمقراطية، ويجب أن يسعى المجتمع لتحقيق ذلك.

   - الوحدة في مواجهة التحديات: لمواجهة التحديات الخارجية، مثل الكيان الصهيوني، يجب أن يكون هناك توحد داخلي وأن ننبذ كل أشكال التمييز والانقسام.

وفي هذا السياق إن بناء الدولة الديمقراطية الاتحادية يتطلب التزامًا جماعيًا من جميع الأطراف، حيث يجب تعزيز القيم الديمقراطية، وضمان حقوق المواطنين، والعمل نحو تحقيق العدالة والسلام الاجتماعي.

 ولكي نستفيد من تلك التجارب التي أثبتت نجاحها في الدول الغربية يتطلب منا كيمنيين تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات في دولة اتحادية ديمقراطية؛ وهذا يتطلب تنظيمًا دقيقًا يضمن توزيع السلطات بشكل متوازن ويمنع أي جهة من تجاوز حدود سلطتها. إليك بعض الآليات الأساسية لتحقيق ذلك يجب الفصل بين كل سلطات الدولة التشريعية ؛ والتنفيذية؛ والقضائية؛ والجيش ؛ والأمن. إلخ.

حيث تكون السلطة الأولى - التشريعية -  منتخبة انتخاباً حراً ومباشراً و تتولى هذه السلطة سن القوانين، ويمكن تقسيمها إلى مجلسين (مثل مجلس النواب ومجلس شورى) لتمثيل مختلف الفئات والمناطق. يجب أن يكون لكل ولاية أو إقليم حق في تمثيل مناسب.

 وبالنسبة للسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الدولة (أو الحكومة) حسب شكل الدولة المختارة؛ والرئيس أو الحكومة يتم انتخابهم انتخاباً مباشراً بشكل تنافسي وفق برامج الأحزاب المتنافسة برامجياً. وسواء تم انتخاب الرئيس من قبل الشعب أو من قبل البرلمان إلا أن صلاحيته يجب أن تكون محددة ومفيدة بنص الدستور وفي كل الأحوال يجب أن تكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وتخضع لمراقبته.
   
كما يجب مراعاة استقلال كل مؤسسة من مؤسسات الدولة بحيث لا يحق لمؤسسة ما التدخل في اختصاصات الأخرى؛ مع وجود محكمة دستورية أو محكمة عليا تضمن تطبيق القانون وحماية الحقوق الأساسية.

كما يجب أن تضمن الأنظمة القانونية وجود آليات لمساءلة الحكومة والبرلمان، مثل لجان التحقيق والتقارير السنوية.
 ويجب أن يكون لرئيس الدولة أو الحكومة حق النقض ضد القرارات التشريعية، مما يضمن توازن القوى.

و يجب أيضاً أن يحتوي الدستور على نصوص تحدد صلاحيات كل سلطة وتضمن استقلالية القضاء. الدستور يجب أن يحمي حقوق الأفراد ويحدد كيفية تعديل القوانين.

 وفي نظام اتحادي، يجب أن تُحدد بوضوح صلاحيات الحكومة المركزية وصلاحيات الولايات أو الأقاليم. هذا يضمن عدم تداخل الاختصاصات ويسمح لكل مستوى من الحكومة بالعمل باستقلالية.
 
وهذا لا يعني عدم وجود تعاون بين الحكومة المركزية والأقاليم، مثل مؤتمرات دورية أو لجان مشتركة.

ومن المهم نشر الوعي وتعليم المواطنين بمبدأ الفصل بين السلطات وحقوقهم وواجباتهم. هذا يعزز من المشاركة الفعالة في النظام الديمقراطي. حيث يجب أن يتمتع المجتمع المدني بدور فعال في مراقبة السلطات والمشاركة في صنع القرار.

ويجب عدم حجب المعلومات المتعلقة بالقرارات الحكومية بحيث تكون متاحة للجمهور لضمان الشفافية والمساءلة.

وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات في دولة اتحادية ديمقراطية؛ يتطلب تنظيمًا دقيقًا وضوابط فعالة، لضمان توازن القوى واستقلالية كل سلطة، مما يسهم في تعزيز الاستقرار السياسي وحماية حقوق المواطنين.

ومما سبق فأي حل سلمي يجب أن ينطلق من مرجعيتي مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور فهما سفينة النجاة للخروج من هذه الكارثة التي تكاد أن تعصف باليمن أرضاً وشعباً، فما نسمعه من تكون مجالس ومؤتمرات من شأنها السعي إلى تشظية اليمن إلى يمنات متقاتلة متناحرة، فنقول لسلطات الواقع كفى عبثاً باليمن؛ ولا بد من العودة إلى طاولة الحوار تحت مظلة الدولة الديمقراطية الاتحادية.

الهاشتاج
رابط الفيس بوك

حميع الحقوق محفوظة ل مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية ---- برمجة وتصميم ALRAJIHI