31 يناير 2024 تحميل ملف pdf

التجربة والخطأ كقيمة إنسانية  في رواية "الجريمة والعقاب"

* حسن حمود الدولة 


الجريمه والعقاب ..

بداية تجدر الإشارة ان أكتب عن كاتب رواية الجريمة والعقاب ثم نتطرق إلى ذكر مبسط عن مضمون الرواية ثم ادخل في موضوع التجربة والخطأ على النحو التالي :

١ - تيودور دوستويفسكي 

تيودور دوستويفسكي (1821-1881) هو روائي روسي وأحد أعظم كتّاب الأدب العالمي. وُلد في موسكو ونشأ في عائلة ثرية. درس الهندسة وعمل لفترة وجيزة كموظف حكومي قبل أن يتفرغ للكتابة.


روايات دوستويفسكي تعتبر أعمالًا أدبية رائعة تتناول الجوانب العميقة والمعقدة للطبيعة البشرية والمجتمع الروسي في القرن التاسع عشر. تتميز أعماله بالتحليل النفسي العميق والشخصيات المتعددة الأبعاد.


أشهر روايات دوستويفسكي هي "الجريمة والعقاب"، وهي قصة روديون راسكولنيكوف، الشاب الفقير الذي يرتكب جريمة قتل ويعاني من ضغوط الضمير وعواقب أفعاله. كما تشمل أعماله الأخرى "الأخوة كارامازوف"، و"الأبله"، و"الشياطين"، و"الأبله في ميرتون"، و"الأبله في الملح"، وغيرها.


تتميز روايات دوستويفسكي بقدرتها على استكشاف الحقائق الفلسفية والأخلاقية والدينية، وتطرح أسئلة حول الإنسانية والإيمان والتواصل البشري. تعتبر أعماله نقدًا شديدًا للمجتمع والسلطة والأفكار السائدة في زمنه.


تأثر دوستويفسكي بتجاربه الشخصية ومعاناته الروحية، حيث مر بفترات من الاكتئاب والعزلة ومشاكل مالية. توفي في عام 1881، ورغم أنه لم يحظ بشهرة كبيرة أثناء حياته، إلا أن أعماله أصبحت لاحقًا من أبرز الأعمال الأدبية في التاريخ.

 

٢- الجرية والعقاب كأشهر رواية

 تعتبر رواية "الجريمة والعقاب" (Crime and Punishment).من اشهر روايات تيودور دوستويفسكي صدرت الرواية لأول مرة في عام 1866 وحظيت بشهرة عالمية كرواية أدبية رائعة.


"الجريمة والعقاب" تعتبر رائعة أدبية بارزة بفضل تحليلها العميق للشخصيات وتصويرها بطريقة مثيرة للدهشة. تسلط الرواية الضوء على الجوانب المظلمة للطبيعة البشرية وتستكشف المعنى الحقيقي للعدالة والتوبة. إنها رواية تثير الكثير من الأسئلة والنقاشات وتبقى محبوبة لدى القرّاء حول العالم.

 

٣ - مضمون الرواية

تدور قصة "الجريمة والعقاب" حول روديون راسكولنيكوف، الشاب الفقير الذي يعيش في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا. وكان يعاني من ظلم المجتمع والفقر ، وتلك الظروف تدفعه لاتخاذ قرار مصيري.


يقرر راسكولنيكوف ارتكاب جريمة قتل بدافع فكرة أنه يمتلك التفوق الفكري والحق في قتل الأشخاص الذين يعتبرهم ضارين بالمجتمع. يختار ضحيته امرأة ثرية مرابية تستغل ظروف المحتاجين تدعى أليونا إيفانوفنا، ويقوم بقتلها في شقتها.


بعد ارتكاب الجريمة، يبدأ راسكولنيكوف يعيش في حالة من التوتر والضغوط النفسية. يتم مطاردته بواسطة ضميره ويتعرض للشك والخوف من أن يتم اكتشافه ومحاكمته.


تتوالى الأحداث في الرواية بين لحظات التوتر النفسي لراسكولنيكوف وتفاعله مع الشخصيات الأخرى المهمة في حياته، مثل صديقه سفيدريك رازوميخين والمحقق بوريس بوريسوفيتش.


تتركز الرواية على تحليل شخصية راسكولنيكوف والتأمل في أفكاره الفلسفية والأخلاقية. تتناول مواضيع مثل الجريمة والعقاب، والضمير، والتوبة، والإنسانية. تتساءل الرواية عن مفهوم العدالة وتستكشف العواقب النفسية لأفعال راسكولنيكوف.


تعد "الجريمة والعقاب" رواية رائعة تحكي قصة شاب يتخبط في صراع داخلي بين الشر والخير، وتلقي الضوء على النفس البشرية وتعقيداتها. تعتبر الرواية إحدى أعظم أعمال دوستويفسكي وتظل حتى اليوم تثير الإعجاب والنقاشات الفلسفية.

 

٤- الأفكار ذات البعد الفلسفي في الرواية:

"الجريمة والعقاب" تتناول العديد من الأفكار الفلسفية المعقدة والمثيرة منها :


أ- العقاب والتوبة: يتناول دوستويفسكي تأثير الجريمة على الضمير والعقاب الذاتي الذي يعانيه المجرم. يشير إلى أن العقاب الحقيقي ينبع من داخل الإنسان وأن التوبة والتغيير الداخلي هما المفتاح للخلاص والتجديد.


ب -  النفس البشرية والتضاربات الداخلية: يستكشف دوستويفسكي الجانب المظلم والمعقد للنفس البشرية من خلال شخصية راسكولنيكوف. يعرض التضاربات الداخلية والصراعات النفسية التي يعانيها الشخص بين الخير والشر وبين ضميره ورغباته الشخصية.


ت-  الدين والإيمان: يتناول الروائي العلاقة بين الدين والإيمان والشك والشكوك الدينية. يعتبر الدين والإيمان عناصر أساسية في حياة الشخص ويسلط الضوء على أهمية البحث عن الروحانية والمعنى العميق في الحياة.


 ث-  الفلسفة الشخصية والتفكير الفلسفي: يتناول الروائي العديد من الأفكار الفلسفية التي تستكشف الحقائق الأساسية للوجود والإنسانية. يتناول أفكاراً مثل الحرية والمسؤولية الفردية، والتضحية والفداء، ومعنى الحياة والموت.


  ج- العدالة والمجتمع: يتساءل دوستويفسكي عن طبيعة العدالة في المجتمع والقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في حياة الأفراد. يطرح أسئلة حول الظلم الاجتماعي والتفاوت في الثروة والفقر، وكيف يؤثر ذلك على النفسية البشرية وسلوك الأفراد.


ومما سبق يتبين لنا تتعدد الأفكار الفلسفية التي يتناولها دوستويفسكي في "الجريمة والعقاب"،ونحن لم نذكر ذلك على سبيل الحصر بل على سبيل التمثيل.

 

٥- التجربة والخطأ كقيمة انسانية 

يتحدث دوستويفسكي في هذه الرولية على لسان أحد شخصياتها (رازموخين) عن التجربة والخطأ فيقول::

 

"إن الخطأ هو الميزة الوحيدة التي يمتاز بها الكائن الإنساني على سائر الكائنات الحية. من يخطئ يصل إلى الحقيقة. أنا إنسان لأنني أخطئ. ما وصل امرئ إلى حقيقة واحدة إلا بعد أن أخطأ أربع عشرة مرة وربما مئة وأربع عشرة مرة ! وهذا في ذاته ليس ما يعيب. لك أن تقول آراء جنونية، ولكن لتكن هذه الآراء آراءك أنت.

لأن يخطئ المرء بطريقته الشخصية، فذلك يكاد يكون خيرًا من ترديد حقيقة لقّنه إياها غيره.

أنت في الحالة الأولى إنسان، أما في الحالة الثانية فأنت ببغاء لا أكثر.

الحقيقة لا تطير، أما الحياة فيمكن حنقها. إلى أين وصلنا من هذا الآن ؟ نحن جميعًا، بغير استثناء، سواء في ميدان العلم، أو الثقافة، أو الفكر، أو العبقرية الخالصة، أو المثل الأعلى، أو الرغبات، أو الليبرالية، أو العقل، أو التجربة، نحن في كل شيء، في كل شيء، في كل شيء، نعم في كل شيء، ما زلنا في الصفوف الإعدادية لدخول مدرسة الثانوية ! نحب أن نكرر ونمضغ آراء الآخرين، وتعودنا على ذلك ! أليس هذا صحيحًا ؟ أليس الأمر كما أقول ؟ أليست هذه هي الحقيقة؟ "

 

٦- سلاح التجربة والخطأ ورفض الأفكار الببغاوية الراثية

من خلال هذا النص المفتبس من رواية (الجريمة والعقاب)  يعبر دوستويفسكي من خلال احد شخوص رواياته عن فكرة التجربة والخطأ وأهميتها في تطوير الإنسان.فيقول لنا إن الخطأ هو ميزة فريدة يمتلكها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، حيث يتعلم الإنسان من أخطائه ويصل إلى الحقيقة من خلالها.

ويعتبر أن الخطأ الشخصي للإنسان أفضل من ترديد حقيقة يتلقاها عن طريق الآخرين. يرى أنه من خلال الاختلاف والتجارب الشخصية يمكن للإنسان أن يصل إلى أفكاره الخاصة وآراءه الشخصية.


ويرى رازميخين في الحالة الثانية، التي يقتبسها من الأشخاص الذين يقلدون ويرددون آراء الآخرين دون تجربة أو تفكير شخصي، أنهم مجرد ببغاوات يكررون  ما يسمعون  بدون أن يمتلكوا رؤية خاصة بهم. يعتبر أن الإنسان الحقيقي هو الذي يخطئ ويتعلم ويصل إلى آراءه الخاصة وحقائقه الشخصية. من خلال تجربة الصح ولخطأ واليقين مما يؤمن به.


وهذا يسري على كل اتباع الملل والعقائد حيث ان كل منا قد تلقى معتقده وراثة سلفا عن خلف ، وهذا يجعل الأديان كلها متساوية لا فرق بين دين قديم ودين حديث ، ودين سماوي ودين وضعي ، فالكل مقلد ، والتقليد جهل ، ولا تفاضل في الجهل كما جاء في كتاب النباهة والإستحمار لللدكتور الشهيد علي شريعتي.


ومنهج الشك عن ابي حامد الغزالي هو عينه الشك الديكارتي ، فيقول ابو حامد في كتابه المنقذ من الضلال ان كل ما يكتبه يحمل على ثلاثة اوجه :


- قول يقوله دفاعا عن عقائد العوام ومن ذلك كتابه احياء علوم الدين الذي قال في مقدمته ( إن العلم علمان علم القشور وعلم اللباب ، وعلم اللباب ليس موضوعه هذا الكتاب.


- قول يقوله حسب مستوى السائل والمسترشد ومنها كتاب المنقذ من الضلال والإقتصاد في الإعتقاد ومعيار العلم ، ومعارج القدس ،...إلخ.


- أما الحقيقة فيحتفظ بها لنفسه ولا يبوح بها إلا لمن يشاركه في الإعتقاد.


ويقول للمسترشد (أذا لم يشكك هذا في الإعتقاد الموروث قكفى به نفعا لأن من لا يشك لا ينظر ومن لا ينظر بقي في العماية والضلال .ويستشهد ببيت للمتنبي:


خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به 
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل


إذا فرواية "الجريمة والعقاب " هي رواية ذات بعد رسالي رواية عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى فلو نظرنا إلى التطور العلمي الذي وصلت إليه البشرية اليوم فإن الفضل كل الفضل هو لأن العلماء اخضعوا كل تجاربهم العلمية لتجربة الصح والخطأ 


بالطبع! في رواية "الجريمة والعقاب"، يتجسد مبدأ التجربة والخطأ في رحلة الشاب روديون راسكولينيكوف، الذي يقترف جريمة قتل باردة الدم ويعاني من آثارها على مدار الرواية. إليك مثالًا على تطبيق فكرة التجربة والخطأ في الرواية:


لذا، يبدأ روديون في الاستعداد للتجربة على نفسه من خلال اتخاذ قرار آخر بشأن جريمة جديدة. يتوجه إلى بيت الشرخين، الذي يعتبره مثالًا على الطبقة المتواضعة التي يراها روديون أنه يمكنه ارتكاب الجرائم دون عواقب.


ومع ذلك، يكتشف روديون أنه لا يستطيع الاستمرار في هذا الدور وتجاوز قيمه الأخلاقية الشخصية. يعيش في حالة من التردد والتوتر الشديدين، ويعاني من الضغوط النفسية. يفشل في تنفيذ جريمته المخططة ويتوجب عليه أن يواجه عواقب تصرفاته.
بالتجربة والخطأ، يصل روديون إلى فهم أن التجربة العملية أكثر قوة وأهمية من النظريات الفلسفية والتصورات العقلية.

يتعلم أن الجرائم لا تأتي بسعادة ولا بالتحرر، بل بالعذاب والضغط النفسي الشديد. تتغير آراءه ومفهومه للعدالة والمسؤولية الشخصية، ويدرك أنه عليه أن يواجه عقوبة جريمته ويتحمل مسؤوليته.


بهذا المثال، يظهر كيف يتم تطبيق فكرة التجربة والخطأ في رواية "الجريمة والعقاب". روديون يتألم ويتعلم من أخطائه، ويدرك أن التجارب الشخصية هي التي تؤدي إلى النمو والتطور الشخصي.

الهاشتاج
رابط الفيس بوك

حميع الحقوق محفوظة ل مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية ---- برمجة وتصميم ALRAJIHI