*بندر العنابي
باحث في الدبلوماسية والعلاقات الدولية
شهدت الفترة منذ بداية 2023م جهوداً دبلوماسية مكثفة تقوم بها الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الفاعلة في الملف اليمني بالإضافة إلى قوى إقليمية ودولية فاعلة في الملف اليمني، وتمثلت تلك الجهود لإنهاء الأزمة اليمنية والدفع بقوة لجلوس الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات لإنهاء النزاع، وتحقيق السلام الشامل والدائم في اليمن.
وتجلت هذه المساعي الدبلوماسية من خلال تحركات المبعوث الأممي لليمن من أجل توصل الأطراف المتحاربة لوقف الحرب في اليمن، والبدء في عملية سلام برعاية الأمم المتحدة بعد سلسلة مفاوضات في السعودية وسلطنة عمان، والتي كان من أبرز بنود تلك الخطة: وقف إطلاق النار، ودفع رواتب موظفي الدولة، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى في اليمن، وتخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
ولكن هذا الاتفاق المعلن على المحك، لعدة أسباب أهمها:
- عدم جدية الحوثي للسلام والحل السياسي للأزمة اليمنية، ولهذا يعمل الحوثيون على استغلال الوقت لصالحهم، ويبحثون عن صيغ سياسية تفضي إلى اعتراف دولي بهم.
ويطبق الحوثيون الاستراتيجية الإيرانية القائمة على المراوغة وشراء الوقت والتلاعب به لحين نضوج شروط تحقيق أهدافهم، وتغير المعطيات، وتحسن أوراق القوة لانتزاع المكاسب الموجودة، بالإضافة إلى رغبتهم في شرعنة حضورهم في المناطق المسيطر عليها، وتطلعهم للسيطرة على مناطق أخرى، وإنجاز ما عجزوا عنه بالحرب من خلال السلام.
- ينظر الحوثيون إلى المرحلة الحالية بأنها مرحلة استحقاقات وتهدئة، كدفع الرواتب، وزيادة الرحلات الخارجية، ورفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، ولهذا يركزون على الجانب الإنساني لسعيهم في تخفيف حالة الاحتقان والضغط المجتمعي داخلياً وتحقيق مكاسب ذاتية.
- تجاهل الحوثيون للمرجعيات المعلنة لعملية التسوية السياسية (المبادرة الخليجية -القرار الأممي2216 -مخرجات الحوار الوطني)، بالإضافة إلى رفضه التخلي عن مشروعة السياسي بكل أبعاده الأيدلوجية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، ويعتبر ذلك غير قابل للتفاوض.
- عدم وجود أوراق ضغط قوية على الحوثيين لتقديم التنازلات والالتزام بالاتفاقيات.
- التطورات الأخيرة في البحر الأحمر من مهاجمة واعتراض السفن التجارية، مما دفع ببعض القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا إلى شن ضربات صاروخية وجوية ضد أهداف متعددة للحوثيين، ولهذا حذر المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن بأن التصعيد في البحر الأحمر وباب المندب ليس في صالح تحقيق السلام في اليمن، واستخدم الحوثيون البحر الأحمر لأسباب كثيرة من أهمها: تعزيز نفوذهم وشعبيتهم في الداخل، واستغلالهم لأحداث البحر الأحمر من أجل الحصول على الدعم السياسي، ولهذا نقلت وكالة بلومبرغ أن روسيا والصين أبرمتا اتفاقاً مع الحوثي لمرور سفنهما مقابل الدعم لهم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
- تاريخ الحوثيون مع الاتفاقات والهدن، والانقلاب على تلك الاتفاقات ونقضها، وعدم الالتزام ببنود أي اتفاق يبرم معها، وتاريخ الحوثيين مع هذه الاتفاقيات معروف وتستخدمها الجماعة لزيادة نفوذها وتمددها منذ بداية تمرد الجماعة على الدولة في 2004م وهناك أكثر من 100 دراسة وموقف، توصلت إلى أن الحوثيين يلجؤون للاتفاقيات في حال تعرضهم للضغط الذي يهدد الجماعة، أو عند الحاجة الملحة للاتفاق لحماية عناصرها وتقدمهم وتأمين إمدادات السلاح، والأمثلة على ذلك كثيرة أبرزها:
- اتفاق السلم والشراكة، ومع أن هذا الاتفاق كان من صالحهم وشرعن لانقلابهم وتمردهم وسلوكهم الإجرامي إلا أنهم نقضوا ذلك الاتفاق.
- مشاورات الكويت، التي رعتها الأمم المتحدة في عام2016م بين الحكومة الشرعية والحوثيين، ولكن بعد مرور أسبوع من انعقادها انتهت بإعلان الحوثيون رفضهم للقرار، وحينها أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن في حينها (إسماعيل ولد الشيخ) أن الحوثيين أفشلوا الاتفاق الذي كان من شأنه التوصل إلى حل توافقي للأزمة اليمنية، مشككاً أن ليس لهم إرادة فعلية في إنهاء الحرب.
- اتفاق أستوكهولم ديسمبر2018م، والذي استفاد منه الحوثيون لأن الاتفاق منع القوات الحكومية من التقدم إلى ميناء الحديدة وحسم المعركة عسكرياً، ومع ذلك لم يلتزم الحوثيون بتعهداتهم ببنود الاتفاق وتسليم ميناء الحديدة لخفر السواحل اليمنية، وفتح ممر إنساني آمن من صنعاء إلى الحديدة، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى منها اتفاقية ظهران الجنوب، وغيرها من الاتفاقيات، بالإضافة إلى رفضهم لعدة مبادرات إقليمية ودولية لوقف الحرب، كمبادرة مجلس التعاون الخليجي عام2022م، حيث رفض الحوثيون الحضور، بل قاموا في نفس الوقت بمهاجمة المملكة العربية السعودية بالصواريخ والطيران المسير.
- عدم التزام الحوثيين بالهدنة وبنودها وتجلى ذلك من خلال: التحشيد العسكري تحت مسمى تحت مزاعم نصرة غزة، وأعمال الحفريات الواسعة واستحداث شبكة أنفاق تحت الأحياء والشوارع السكنية، بالإضافة إلى التلويح والتهديد بالقوة ومن تلك التصريحات (التهديد باستهداف الأراضي السعودية في حال لو سمحت الرياض للطائرات الأمريكية والبريطانية بالمرور في أجوائها) وكذلك التصريحات التي اعتبرت أن الحاصل بين السعودية والحوثي ليس هدنة وإنما خفض للتصعيد، وكان من آخر تلك التهديدات هو التلويح بالهجوم على المحافظات المحررة والتهديد بإيقاف تصدير نفط مأرب مالم يحصل الحوثي على حصته من النفط (حسب قولهم).
نقاط القوة والضعف لأطراف النزاع في اليمن:
يمكن اعتبار أن القوة نسبية في اليمن، ولا يمكن وصف طرف بأنه قوي والآخر ضعيف، إلا إذا كان هناك مقارنة بين الطرفين، وتلك المقارنة هي التي تحدد موقعه في هيكل القوة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في أي مفاوضات واتفاقات.
وتبرز معايير القوة والضعف في عدة عوامل أهمها، السيطرة على الأرض، والقوة العسكرية، وحجم القاعدة الشعبية لكل طرف، وحجم الدعم الدولي والإقليمي، ومدى تأثير كل طرف على المجتمع المحلي.
الحكومة اليمنية الشرعية:
نقاط القوة:
- السيطرة على مناطق استراتيجية ترتبط بمصالح على الأرض، سواءً المناطق الغنية بالغاز والنفط، أو الشريط الساحلي والجزر، بالإضافة إلى احتفاظه بغالبية المناطق اليمنية التي تشكل 80%.
- الشرعية الدستورية واعتراف المجتمع الدولي، بالإضافة إلى القرار الأممي (2216)، والتي يمكن استخدامها كنقاط قوة في المفاوضات.
- دعم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، حيث يعد هذا الدعم من أهم نقاط الشرعية، لكنها لا تستغل ذلك لتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية، ولم توظف ذلك بصورة إيجابية لتحقيق مكاسب على الأرض.
- المجلس الرئاسي الذي يضم الكيانات المناوئة للمشروع الحوثي، بالإضافة إلى القاعدة الشعبية من اليمنيين الذين يرفضون المشروع الحوثي.
نقاط الضعف:
- عدم استغلال سلطة ومزايا المجلس الرئاسي، حيث إنه أصبح يجمع كل القوى والمكونات والتيارات السياسية والعسكرية المناهضة للحوثي، وبدلاً من أن يكون فرصة للقضاء على المشروع الحوثي واستعادة الدولة اليمنية، اعتراه الاختلاف ووضعت الحواجز أمام الكثير من الإنجازات السياسية والعسكرية، وانشغال تلك المكونات بالصراع فيما بينها وترك معركتها المصيرية.
- غياب المشروع الوطني للأحزاب والمكونات اليمنية المناهضة للمشروع الحوثي وتراجع دورها، مما أدى إلى استمرار وتقوية المشروع الحوثي، بالإضافة إلى ارتباط بعض المكونات بمصالح دول إقليمية تنتمي إليها سياسياً وأيدلوجياً.
- رغم عودة الحكومة الشرعية إلى عدن، فما تزال مشكلات حضور الدولة في المناطق المحررة محدوداً وغير منتج، والخدمات الاساسية في حالة فقد وضعف، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس لم تتحسن كثيراً، وتردي الخدمات والأوضاع الاقتصادية الصعبة؛ انعكس بعدم ثقة الشعب، وضعف حضورها الشعبي في المناطق المحررة.
- انشغال المكونات المؤتلفة في الشرعية بالمشاريع الخاصة قبل أولوية استعادة الدولة وعدم جديتهم في ذلك، فكل طرف أو اتجاه سياسي لديه مشروعه وطموحاته وارتباطاته الخارجية واستراتيجيته المستقبلة التي يعمل عليها ويجعلها محوراً تتحدد عليه مواقفه وعمله في اطار الشرعية. مما أدى الى عرقلة توحيد الجهود السياسية والعسكرية لمواجهة ميليشيات الحوثي.
- الانسحابات أو تبريد العديد من الجبهات، مما شجع مليشيات الحوثي على التقدم وتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، ما أضعف موقف الحكومة الشرعية، لأن كل تقدم عسكري يرتبط بشكل مباشر بالعملية السياسية والتفاوضية.
- الفساد وخلل إدارة الدولة سواءً في الجانب السياسي أو الاقتصادي، والبطء في تصحيح الاختلالات في مؤسسات الدولة.
الحوثيون:
الحوثيون يجيدون استغلال نقاط القوة والضعف لتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية، تمكنهم من تثبيت أنفسهم على الأرض، للظفر بتسوية سياسية تعيد إنتاجهم من جديد، وفي المقابل لم تستغل الشرعية والحكومة اليمنية بصورة ذكية نقاط الضعف لميليشيا الحوثي، وتحقيق الانتصار عليهم، وحشد الناس ضدهم، ما اتاح لخصمها فرصةً للمناورة وممارسة الصلف السياسي، مما أدى إلى إعاقة مشروع استعادة الدولة اليمنية.
نقاط القوة:
- السيطرة على المناطق الأشد تهديداً والأكثر تأثيراً في مجريات الحرب من الناحية الجغرافية وكذلك السكانية، والتي كان لها تأثير في دعم استراتيجيتهم العسكرية بالأموال اللازمة، من خلال الجبايات وفرض الضرائب على مختلف الأنشطة التجارية والخدمية، فضلاً عن العائدات الجمركية.
- الاحتفاظ بالقدرات العسكرية والتسليح من الجيش اليمني السابق، وزيادة وتيرة التسليح ونوعيته من إيران ، وجني أموال كبيرة من القطاعات والناس بما يدعم مصادر تمويل الحرب.
- تطور قدراتهم العسكرية، ودخول أسلحة جديدة في الصراع، مثل الطيران المسير والقدرات الصاروخية القادرة على ضرب أهداف بعيدة في الداخل اليمني والخارج، مما شكل تهديداً للشرعية اليمنية ودول التحالف العربي.
- إجبار مختلف القوى والوسائل لتحقيق نفوذهم، وكسب ولاء مناطق قبائل الجغرافيا الزيدية بالقوة، لكونها المورد الغزير لمقاتليها.
- الحفاظ على ما حققوا من نتائج، وعدم التنازل في كل مرحلة، وامتلاكهم وسائل إعلام منتشرة وخطاب يستغل عاطفة الناس لنشر أفكارهم وحشد الناس للقتال معهم.
- مساندة إيران للحوثيين سياسياً وعسكرياً، بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال مع دول إقليمية أخرى، مما شكل لهم دعم مباشر وعامل قوة مكنهم من الاستقواء والتأقلم طيلة فترة الصراع.
- الاستفادة من تراخي المجتمع الدولي ضدهم، وضعف الحكومة الشرعية التي هي في موقف الدفاع بينما ميليشيات الحوثي تهاجم وتسيطر.
- للحوثيين قيادة واحدة بينما الحكومة الشرعية موزعة عدة جماعات ومكونات وزعامات مختلفة عديدة.
نقاط الضعف:
- عدم تمكنهم من كسر عزلتهم والحصول على اعتراف دولي، وظهورهم محلياً ودولياً بأنهم ميليشيات إرهابية طائفية محسوبة على إيران.
- عدم قدرتهم على تغيير الواقع السياسي في الدولة اليمنية، وفشلهم في إدارة الدولة والأمن والخدمات وتوفير متطلبات المواطنين.
- التحدي الاقتصادي، فهم لا يملكون الموارد الكافية لدفع الرواتب وإعادة الإعمار.
- فقدانهم للجزء الأكبر من الأراضي اليمنية، وافتقارهم للمناطق الغنية بالغاز والنفط.
- عدم وجود قاعدة مشتركة بينهم وبين المجتمع اليمني، وتعارض أفكارهم مع الشعب اليمني، مما أدى إلى زيادة الرفض الشعبي لهم.
- صعوبة تحولهم من ميليشيات وعصابات إلى أحزاب وجماعة فاعلة، بالإضافة إلى تعاملهم مع اليمنيين من مرتكز طائفي ونظرة استعلائية، مما دفع ببعض القبائل للبحث عن حلفاء صادقين للتخلص من حكم الميليشيات.
المقترحات والتوصيات:
- ضرورة تجاوز جميع الخلافات والتباينات بين مكونات الشرعية، وضرورة توحيد الجهود السياسية والعسكرية والاقتصادية، والاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة ميليشيات الحوثي.
- عودة قيادة المجلس الرئاسي إلى الداخل، وممارسة مهامها وزيادة حضورها في الأراضي المحررة.
- استغلال سلطة مجلس القيادة االرئاسي، حيث أنه جامعٌ لكل المكونات التي بإمكانها استعادة الدولة اليمنية والقضاء على المشروع الحوثي الإيراني.
- عدم التعويل على المفاوضات مع الميليشيات الحوثية، والعمل على كافة الأصعدة، والاستعداد الكامل لكل الخيارات، وذلك لعدم جدية الحوثي في المفاوضات، وعدم رغبته في السلام.
- تفعيل دور الإعلام في مواجهة الحوثي، وبيان سلوكهم الإجرامي، وتناقضاتهم، وتاريخهم الطويل في نقض الهدن والاتفاقيات.
- فتح خطوط تواصل مع القبائل والشخصيات السياسية والاجتماعية، واستغلال السخط الشعبي المتواجد في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية.
- تغيير الاستراتيجية للحكومة الشرعية من الدفاع إلى الهجوم، للحصول على مكاسب سياسية على الأرض تنعكس في العملية السياسية والتفاوضية.
- ينبغي على الفريق المتفاوض أن يدرك أن للحوثيين تاريخ طويل في المفاوضات بنقض الاتفاقيات واستخدام الحوثيين المفاوضات لمجرد كسب الوقت.
- استغلال الأحداث الجارية في البحر الأحمر إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، وأن هذه التحركات الحوثية دليل على عدم جدية ميليشيات الحوثي لإنهاء التوترات والنزاعات بل لاجل خدمة السبطرة الايرانية على المنطقة.
- اختيار فريق التفاوض من الشخصيات السياسية والوطنية الفاعلة والتي لها مواقف ثابتة ضد الحوثي منذ بداية الانقلاب، بالإضافة إلى تمتع هذا الفريق بمهارات التفاوض وإدارة الحوار، وتبنيهم استراتيجية تفاوضية تربك الخصم.