العلاقة بين إسرائيل وإيران: المصالح والصراع
*وحدة الدراسات السياسية والاستراتيجية بالمركز
تُعد العلاقة بين إسرائيل وإيران واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في الشرق الأوسط. يتسم هذا التفاعل بمزيج من الصراع الأيديولوجي، التنافس الجيوسياسي، والمصالح الخفية. ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، شهدت هذه العلاقة تصاعدًا مستمرًا في التوترات، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المواجهة ستستمر كصراع طويل الأمد أم يمكن أن تتخللها مصالح مشتركة قد تخفف من حدته.
في الأعوام الأخيرة بدا الصراع أكثر وضوحاً عبر عدة مواجهات خفية واستخباراتية، واعتلى اتجاه الصراع بعد أحداث السابع من أكتوبر، وبدت خيارات المواجهة المباشرة بين الطرفين أكثر السيناريوهات المحتملة.
وهنا نحاول أن نلقي بعض الضوء على طبيعة هذه العلاقة بين الطرفين :
أولاً: الجذور التاريخية للعلاقة بين إسرائيل وإيران
1. قبل الثورة الإيرانية (1948-1979): تعاون مصلحي
العلاقة التاريخية بين إسرائيل وإيران
العلاقة بين إسرائيل وإيران مرت بمراحل متعددة ومتباينة، تراوحت بين التعاون الوثيق في فترة ما قبل الثورة الإيرانية عام 1979 إلى العداء الصريح بعدها. يعود هذا التغير إلى عوامل سياسية وأيديولوجية أثرت على طبيعة العلاقة بين الطرفين.
---
الفترة الأولى: مرحلة التعاون (1948-1979)
1. تحالف استراتيجي غير معلن
الاعتراف غير الرسمي بإسرائيل:
بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، لم تعترف إيران بها رسميًا، لكنها أقامت علاقات غير معلنة معها.
التحالف ضد القومية العربية:
خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، كان لإيران مصالح مشتركة مع إسرائيل، خاصة في مواجهة الدول العربية التي كانت تتبنى سياسات قومية معادية للطرفين، مثل مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
2. التعاون الاستخباراتي والعسكري
وقّع البلدان اتفاقيات تعاون في مجالات الأمن والاستخبارات.
ساعدت إيران إسرائيل في تصدير النفط، بينما قدمت إسرائيل خبرات تقنية وعسكرية لإيران.
3. مشروع "التحالف المحيطي"
عملت إسرائيل على إقامة تحالفات مع دول غير عربية في المنطقة، من بينها إيران وتركيا وإثيوبيا، بهدف مواجهة التهديد العربي.
---
الفترة الثانية: مرحلة العداء بعد الثورة الإيرانية (1979 - الحاضر)
1. التحول الأيديولوجي بعد الثورة الإيرانية
عداء علني لإسرائيل:
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تبنت إيران خطابًا معاديًا لإسرائيل، واعتبرتها "الشيطان الصغير" إلى جانب الولايات المتحدة.
القضية الفلسطينية:
دعمت إيران الحركات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، ورفعت شعار تحرير القدس كأحد أهداف الثورة.
2. دعم الحركات المسلحة
أصبح دعم إيران لحزب الله في لبنان نقطة توتر رئيسية مع إسرائيل، حيث ترى الأخيرة في الحزب تهديدًا مباشرًا لأمنها.
3. البرنامج النووي الإيراني
زاد تطور البرنامج النووي الإيراني من حدة التوتر بين البلدين، إذ تعتبر إسرائيل أن حصول إيران على سلاح نووي يمثل خطرًا وجوديًا عليها.
- العلاقة خلال العقود الأخيرة
1. الحروب بالوكالة
أصبحت سوريا والعراق ولبنان ساحات مواجهة غير مباشرة بين إيران وإسرائيل.
دعمت إيران ميليشيات في المنطقة، بينما نفذت إسرائيل غارات جوية مستمرة ضد مواقع إيرانية في سوريا.
2. الهجمات السيبرانية
دخل الطرفان في حرب سيبرانية، شملت هجمات على منشآت نووية إيرانية ومرافق حيوية إسرائيلية.
3. التغيرات الجيوسياسية
تسعى إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة عبر "الهلال الشيعي"، بينما تعمل إسرائيل على بناء تحالفات مع دول عربية لمواجهة هذا النفوذ.
---
خلاصة
تُظهر العلاقة التاريخية بين إسرائيل وإيران تباينًا كبيرًا بين فترات التعاون في حقبة الشاه والعداء المستمر منذ الثورة الإيرانية. اليوم، يعتبر الصراع بينهما جزءًا من مشهد الشرق الأوسط المعقد، حيث يتداخل النفوذ الإقليمي، والطموحات النووية، والمواجهات الأيديولوجية.
التحالف ضد القومية العربية:
خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي، كان لإيران علاقات ودية مع إسرائيل، حيث تبادلت الدولتان المعلومات الاستخباراتية والتعاون الاقتصادي.
مشروع "التحالف المحيطي":
قامت إسرائيل بتعزيز علاقتها مع إيران ودول غير عربية أخرى لتشكيل جبهة ضد الدول العربية التي كانت تعتبرها تهديدًا وجوديًا.
2. بعد الثورة الإيرانية: العداء الأيديولوجي
بعد سقوط الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية، تغيرت العلاقة جذريًا. وأصبحت إيران تعتبر إسرائيل "كيانًا صهيونيًا غير شرعي" ودعمت علنًا الحركات الفلسطينية المقاومة لإسرائيل، مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله .
ثانيًا: المصالح المتعارضة بين إسرائيل وإيران
1. إيران: الهيمنة الإقليمية كهدف رئيسي
التوسع الإقليمي:
تسعى إيران إلى بسط نفوذها من خلال ما يُعرف بـ"الهلال الشيعي" الذي يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان،ثم اليمن وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا لنفوذها ووجودها في المنطقة.
البرنامج النووي الإيراني:
يشكل طموح إيران النووي مصدر قلق كبير لإسرائيل، وربما هو الملف الأكثر حساسية، وعقدة المنشار التي دفعت العلاقة بين الطرفين إلى مرحلة المواجهة، حيث ترى إسرائيل في امتلاك إيران للسلاح النووي تهديدًا وجوديًا لها.
2. إسرائيل: أمن وبقاء في منطقة مضطربة
احتواء النفوذ الإيراني:
تعمل إسرائيل على الحد من نفوذ إيران الإقليمي من خلال استهداف ميليشياتها وقواعدها العسكرية في سوريا ولبنان والعراق والان في اليمن.
التحالفات الإقليمية:
تسعى إسرائيل إلى تشكيل تحالفات مع دول غربية أو عربية، لمواجهة التهديد الإيراني، لكنهما حتى الآن، إيران تصارع إسرائيل عبر وكلائها في المنطقة، فيما تجد إسرائيل في الدول الغربية الداعمة لها المحرك الرئيس والداعم لمواجهة إيران وتقليم نفوذها الذي أمتد طوال اربعين عاماً .
ثالثًا: أدوات الصراع بين إسرائيل وإيران
1. الحرب بالوكالة
في سوريا والعراق ولبنان واليمن:
تحولت سوريا إلى ساحة صراع رئيسية بين الطرفين، حيث تستهدف إسرائيل الوجود الإيراني وميليشياته، مثل حزب الله.
دعم الميليشيات:
تدعم إيران حركات مسلحة تعتبرها إسرائيل تهديدًا، مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة والحشد في العراق والحوثيين في اليمن.
2. الهجمات السيبرانية
الهجمات الإسرائيلية:
استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية عبر هجمات سيبرانية، مثل هجوم "ستوكس نت" وغيرها من العمليات التي استهدفت معامل نووية لإيران.
الهجمات الإيرانية:
ردت إيران عبر هجمات سيبرانية على أهداف إسرائيلية، بما في ذلك بنى تحتية اقتصادية.
3. العمليات الاستخباراتية
اغتيال العلماء الإيرانيين:
شنت إسرائيل حملات اغتيال استهدفت علماء إيرانيين مرتبطين بالبرنامج النووي.
إحباط العمليات الإسرائيلية:
نجحت إيران أحيانًا في كشف وإحباط محاولات إسرائيلية لتنفيذ عمليات داخل أراضيها.
رابعًا: هل هناك مصالح مشتركة؟
1. التقاء المصالح في قضايا معينة
رغم الصراع، قد يلتقي الطرفان في مصالح مشتركة غير مباشرة، مثل مواجهة الجماعات السنية المتطرفة التي تهدد استقرار المنطقة، كتنظيم داعش.
2. المصالح الاقتصادية غير المباشرة
تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن فترات من التعاون غير المباشر أو غير المعلن قد حدثت في بعض القضايا الاقتصادية أو الأمنية خلال مراحل معينة.
خامسًا: سيناريوهات المستقبل: صراع دائم أم تقارب ممكن؟
1. استمرار التصعيد العسكري
التوترات في لبنان وسوريا :
من المرجح أن يستمر التصعيد العسكري بين الطرفين، خاصة مع تعزيز إيران وجودها العسكري في هذه الدول. وفي العراق واليمن، خصوصا بعد نجاح إسرائيل في القضاء على القوة الضاربة لإيران في لبنان حزب الله الذي تعرض لعملية هدم قوية استغرقت اسابيع فقط، ثم إخراج النفوذ الإيراني في سوريا ، وربنا في العراق والنواجهة مع الحوثيين في اليمن.
تهديد النووي:
إذا استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي، قد تقدم إسرائيل على ضربات عسكرية وقائية، وبعد جولات الرد والرد الآخر بين الطرفين في الأشهر الماضية، تبدو إسرائيل عازمة على استهداف القدرات النووية لإيران، لكن هذه المغامرة التي ستنذر بمواجهة مختلفة الملامح، ستفضي إلى إزاحة إيران من التهديد والنفوذ في المنطقة.
2. إمكانية التهدئة
التغيرات الإقليمية:
قد تؤدي الضغوط الدولية والجهود الدبلوماسية إلى تخفيف التوترات، خاصة إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد. وهذا سيناريو قد يتحقق مع الإدارة الامريكية القادمة برئاسة ترامب، في حال دخلت إيران مع أمريكا في صفقة ما لتجنب حرب واسعة في المنطقة، أو يحدث السيناريو الآخر إذا نا اتخذت العلاقة بين إسرائيل وإدارة ترامب هدف القضاء على نفوذ إيران بإزاحة قوتها النووية وربما ينتج عن هذا الخيار تغيير النظام في إيران كلية.
التطبيع غير المباشر:
قد يؤدي تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج إلى تقليص نفوذ إيران، مما يدفعها للبحث عن تفاهمات مع إسرائيل.
الخاتمة
العلاقة بين إسرائيل وإيران تتأرجح بين الصراع المحتدم والمصالح التي قد تفتح مجالًا للتفاهم. ومع ذلك، فإن الطبيعة الأيديولوجية للصراع، إضافة إلى التنافس على النفوذ الإقليمي، تجعل احتمالات التهدئة ضعيفة في المستقبل القريب، مع ترجيح استمرار المواجهة عبر الأدوات العسكرية والسيبرانية والحرب بالوكالة.
وربما بعد جولات الصراع الأخيرة ستتجه العلاقة بين الطرفين إلى المواجهة العسكرية المباشرة المحتملة، وحينها يصعب التنبؤ بمآل المواجهة، قد يدفع الغرب إسرائيل إلى هزيمة إيران بشكل مباشر، وبالتأكيد ستفعل إيران كل قدراتها للمواجهة، لكن يبدو أن الدعم الغربي لاسرائيل سيرفع من قدرة إسرائيل على اسقاط النظام الإيراني، في حين ستحاول إيران أن تشعل النار في المنطقة وتوسيع دائرة الحرب والمواجهة، رغم أن إسرائيل قد احتاطت لهذا السيناريو بتقليم أذرع إيران في فلسطين ولبنان وسوريا وتتجه لذات السيناريو في العراق واليمن، ثم تذهب نحو إيران المكبلة التي اعتمدت على تلك الأذرع لتجنب المواجهة المباشرة .
المؤكد الآن أن العلاقة بين الطرفين تتجه لفرض أحد الطرفين نفوذا واحدا في المنطقة، ولم تعد العلاقة المتنافسة في المنطقة بين الطرفين قادرة على بقاء نفوذهما في حالة تجاذب إذ يبدو الاتجاه يسير باتجاه تحقيق إسرائيل لأمن مختلف في المنطقة بدون النفوذ الإيراني .