تصوّرات المرحلة القادمة في اليمن:
خيارات الحكومة الشرعية واستراتيجيات الحوثيين
* وحدة الدراسات السياسية والاستراتيجية بالمركز
الملخص التنفيذي
تواجه الأزمة اليمنية اليوم مرحلة معقدة من التحولات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تتقاطع فيها مسارات الداخل اليمني مع ديناميات الصراع الإقليمي. وبينما يسعى الحوثيون إلى تكريس سلطتهم كأمر واقع عبر التحكم بالاقتصاد المحلي والمؤسسات الإدارية في مناطقهم، تحاول الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي إعادة بناء مؤسسات الدولة، واستعادة الثقة الشعبية والدعم الإقليمي.
تحلل هذه الدراسة توجهات الطرفين خلال المرحلة المقبلة، وتستعرض الخيارات الواقعية أمام الحكومة الشرعية في ظل تراجع الدعم الدولي وغياب التسوية الشاملة، كما تقدم رؤية استراتيجية لمجلس القيادة الرئاسي لتعزيز فرص الاستقرار وإعادة التوازن.
أولاً: المشهد العام للأزمة اليمنية
تعيش اليمن منذ عام 2014 حالة من الصراع المفتوح الذي أدى إلى انقسام سياسي وجغرافي حاد.
أدت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء إلى تفكك مؤسسات الدولة، بينما ظلت الحكومة الشرعية معترفًا بها دوليًا لكنها تعاني من ضعف الأداء والتبعية في القرارين المالي والعسكري.
وتشير تقارير مجموعة الأزمات الدولية (2024) إلى أن الصراع تحوّل من مواجهة عسكرية مباشرة إلى حرب موارد ونفوذ، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز سلطته الاقتصادية والإدارية في المناطق التي يسيطر عليها.
جدول (1): المقارنة بين وضع الحكومة الش عية والحوثيين في المجالات المختلفة :
جماعة الحوثي | الحكومة الشرعية | المجال |
تفرض سلطة صارمة بقيادة المشرفين | تعاني من ضعف التنيق بين المكونات وتشتت القرار | السياسي |
تعتمد اقتصاد الحرب وتمويل المجهود الحربي | تحاول إعادة ضبط السياسة النقدية عبر البنك المركزي بعدن | الاقتصادي |
تركز على الدفاع الداخلي وتطوير قدرات الطائرات المسيرة | تعاني من ضعف الجبهات وتراجع الدعم الخارجي | العسكري |
ثانياً: استراتيجيات الحوثيين في المرحلة القادمة
تشير دراسات وتقارير مختلفة إلى أن الحوثيين يتجهون نحو تثبيت نموذج حكم إداري واقتصادي مغلق، يهدف إلى استدامة السيطرة، وليس فقط البقاء العسكري.
1. التثبيت الإداري والمؤسسي
• بناء مؤسسات موازية لإدارة الدولة (مجلس إدارة، برلمان صوري، منظمات اقتصادية).
• إحلال كوادر موالية في مؤسسات التعليم والقضاء والإعلام.
• تعزيز مفهوم “الولاية الدينية” كمرجعية للسلطة.
2. التوجه الاقتصادي الجديد
• فرض جمارك داخلية على الطرق بين المحافظات.
• السيطرة الكاملة على قطاع الاتصالات والتحويلات المالية.
• توظيف الهدنة الإنسانية لتحقيق مكاسب مالية عبر الموانئ والمطارات.
تشير التقديرات إلى أن الحوثيين يجمعون سنويًا أكثر من 1.7 مليار دولار من الجبايات، دون التزامات تجاه الرواتب أو الخدمات العامة.
3. التحرك السياسي والإقليمي
• الارتباط مع إيران وحزب الله وبقية الأذرع كضمانة أمنية واستشارية.
• محاولة فرض معادلة “اعتراف مقابل هدنة” في المحادثات مع السعودية.
• استخدام ورقة البحر الأحمر والحديدة كورقة ضغط تفاوضي.
جدول (٢ ) :مقارنة بين خيارات الحكومة الشرعية واستراتيجيات الحوثيين :
جماعة الحوثي | الحكومة الشرعية |
تركز على تكريس سلطة الأمر الواقع | تسعى لاستعادة الدولة عبر الاصلاحات المؤسسية والدعم الاقليمي |
تعتمد على الدعم الإيراني والموارد المحلية | تعتمد على الموارد ودعم التحالف العربي والمجتمع الدولي |
تواجه عزلة سياسية وانهاكا اقتصاديا داخلياً | تواجه تحديات اقتصادية وإدارية كبيرة |
تعمل على مؤسسات بديلة موالة لها | تحاول استعادة مؤسسات الدولة وتوحيد القرار |
ثالثاً: خيارات الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي
تواجه الحكومة الشرعية بيئة سياسية واقتصادية معقدة، تتطلب إعادة هيكلة شاملة للأداء والوظيفة.
بحسب تقرير مركز الملك فيصل للدراسات (2024)، فإن أمام الحكومة ثلاثة مسارات استراتيجية:
1. المسار الاقتصادي والإصلاحي
• توحيد السياسة النقدية، وإعادة الثقة بالبنك المركزي.
• تفعيل الرقابة على الإيرادات العامة ومنع الازدواج في الجمارك والضرائب.
• تنشيط الصادرات النفطية وتوسيع قاعدة التحصيل المحلي.
نجاح هذا المسار مرهون بإصلاح البنية المؤسسية، ومحاربة الفساد الذي يمثل العائق الأكبر.
2. المسار السياسي والإداري
• إعادة ترتيب العلاقة بين مكونات مجلس القيادة، وضبط تضارب المصالح.
• تعزيز المشاركة المجتمعية، وبناء خطاب وطني جامع.
• التحرك دبلوماسيًا لإعادة الملف اليمني إلى مسار الحل السياسي لا الإنساني فقط.
3. المسار الأمني والعسكري
• توحيد القوات العسكرية تحت قيادة وطنية موحدة.
• التركيز على الحرب الأمنية والاستخباراتية لكشف شبكات الحوثيين.
• الاستفادة من الدعم الإقليمي لتقوية قدرات الدفاع الجوي والبحري.
جدول (3):مصفوفة اليرات الحكومية :
التحديات | الاجراءات المطلوبة | المحور |
الفساد والولاءات المتضاربة | اصلاح النقد وإدارة الايرادات | اقتصادي |
الانقسامات الداخلية | توحيد القرار داخل مجلس القيادة | سياسي |
ضعف الانضباط والمؤسسات | توحيد القيادة الأمنية والعسكرية | عسكري |
تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة | تفعيل الحضور الدولي | دبلوماسي |
رابعاً: المتغيرات الإقليمية والدولية
تؤثر البيئة الإقليمية في مستقبل اليمن عبر عدة اتجاهات:
• السعودية والإمارات:
تتبنيان سياسة “التهدئة المشروطة”، وتسعيان لتقليص التكلفة العسكرية، مع الحفاظ على النفوذ في الموانئ والسواحل.
• إيران:
توظف الحوثيين كأداة في معادلة الردع الإقليمي، مستغلة الوضع في البحر الأحمر لتوسيع نفوذها الاستراتيجي.
• الولايات المتحدة والأمم المتحدة:
تركّزان على الملف الإنساني وحرية الملاحة أكثر من إعادة بناء الدولة، ما يمنح الحوثيين مساحة مناورة سياسية.
خامساً: السيناريوهات المتوقعة للمرحلة القادمة:
الحوثيون | الحكومة الشرعية | الملامح الأساسية |
استقرار إداري بالقوة في الشمال | بقاء ضعيف في الجنوب | استمرار الهدنة وتبادل المنافع الاقتصادية |
مكاسب سياسية للحوثيين | تراجع دور الحكومة في المفاوضات | تفاهم سعودي - حوثي برعاية عمانية |
تقليص الهيمنة الحوثية تدريجيا | استعادة الثقة والدعم الاقليمي | تنفيذ اصلاحات نقدية وادارية شاملة |
عزلة دولية وتصعيد عسكري | ضغط اقتصادي وشعبي | انهيار التفاهمات وتصاعد الهجمات |
سادساً: النتائج والتوصيات
النتائج
• تسعى جماعة الحوثي لتكريس واقع الانقسام عبر بناء مؤسسات بديلة واقتصاد مستقل.
• الحكومة الشرعية تمتلك فرصة محدودة لإعادة التوازن عبر إصلاحات اقتصادية وإدارية عاجلة.
• البيئة الإقليمية تتجه نحو تهدئة طويلة دون حل سياسي شامل.
• التنافس الداخلي داخل الشرعية يمثل أخطر تهديد لبقائها كممثل وطني.
التوصيات لمجلس القيادة الرئاسي
• إعداد خطة وطنية للإصلاح المالي والإداري بإشراف لجنة عليا مستقلة .
• تفعيل الدبلوماسية الإقليمية النشطة لكسب الموقف الاقليمي والدولي.
• إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية ومهنية.
• إنشاء غرفة او مركز متخصص يتبع رئاسة المجلس لتقييم السياسات الدورية.
• التركيز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي كمدخل لإعادة الثقة السياسية.
الخاتمة
تبدو المرحلة القادمة في اليمن مفتوحة على احتمالات متعددة، بين تثبيت واقع الانقسام أو بدء عملية بناء دولة جديدة.
إن نجاح الحكومة الشرعية ومجلس القيادة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية حقيقية سيحدد ما إذا كانت اليمن ستبقى رهينة اقتصاد الحرب، أم ستنتقل إلى مسار الاستقرار السياسي.
أما الحوثيون، فسيظلون يواجهون معضلة الشرعية الدولية مهما بلغ نفوذهم الداخلي، ما يجعل أي تسوية دائمة مشروطة بقدرتهم على التحول من جماعة عقائدية إلى كيان سياسي منفتح.
المراجع
• مجموعة الأزمات الدولية، “اليمن: ما بعد الهدنة – الحاجة إلى تسوية أوسع”، تقرير رقم 240، يناير 2024.
• مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، “التوازنات الجديدة في المشهد اليمني”، سلسلة الدراسات السياسية، 2024.
• معهد الشرق الأوسط – واشنطن (MEI)، “The Future of Yemen’s Power Dynamics”، يونيو 2024.
• الأمم المتحدة، “تقرير فريق الخبراء المعني باليمن”، مجلس الأمن، يناير 2025.
• البنك الدولي، “Economic Monitoring Report on Yemen”، ديسمبر 2024.