*د. فـارس البـيــل
رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية
توطئة تاريخية:
في القرن السابع الميلادي امتد الحكم الإسلامي من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد فارس، بعد سلسلة من الحملات العسكريَّة على الإمبراطورية الفارسية الساسانية المُتاخمة لحدود دولة الخلافة الإسلامية، وقد أفضت هذه الفُتوح إلى انهيار تلك الإمبراطورية، وإقبال الفُرس على اعتناق الإسلام، وتبعًا للحضارة وطرق الحياة في بلاد فارس؛ فقد اندغم الفرس في الحياة الإسلامية الجديدة بل وأثروا فيها من جهة الثقافة والعلوم والسياسة، كما كان لهم شأن ونفوذ سياسي أثناء الدولة العباسية. في مرحلة لاحقة ونتيجة الصراعات السياسية في تلك العصور؛ نشأت الدولة الصفوية في بلاد إيران وما جاورها في القرن السادس عشر، واتخذت الدولة الصفوية في إيران المذهب الشيعي طابعًا للدولة؛ مما جعل إيران موطنًا للشيعة، محمولة بتقاليد وثقافة القومية الإيرانية التاريخية، فكان ذلك جسرًا لإيران المعاصرة، وكانت تلك الخطوة المذهبية من أهم نقاط التحول في التاريخ الإسلامي.
على أن هذا التحول من المذهب السني إلى الشيعي وإن كان له امتدادات تاريخية وأيديولوجية، إلا أنه كان أيضاً رغبة سياسية لمواجهة الدولة العثمانية، وخلق هوية مغايرة ومنافسة لها، في إطار الصراع على النفوذ في العالم الإسلامي، كما أن هذه الهوية المذهبية تمثل أرضية لمشروع بعيد المدى يحتاج إلى الأرض والموارد كما يحتاج ولاء الناس واعتقادهم بالفكرة والدفاع عنها والسعي لتحقيقها، إذ تجد المشاريع ذات الفكر العقدي عوامل الاستمرار والانتشار أكثر من غيرها لاعتمادها على العاطفة والغيبيات، ولقد وجدنا امتدادات ذلك التحول حاضرة في هذا العصر ومؤثرة في طبيعة الصراع القائم في المنطقة.
إيران الإمامية.. مشروع تصدير الثورة:
وصل الإسلاميون الى السلطة في إيران بعد انقلابهم على الشاه رضا بهلوي في شباط عام 1979م. جاء الخميني من منفاه في فرنسا، وأعلن نفسه إماماً للمسلمين، وإن كان قد رافق هذا الوصول الديني إلى السلطة جدلاً دولياً إلا أن النظام الجديد في إيران لم يتأخر في استدعاء موروثاته التاريخية والمذهبية، وأفصح منذ البداية عن مشروعه القديم الجديد في نشر مبادئ الثورة الإيرانية القائمة على مبادئ ولاية الفقيه وسيادة المذهب الشيعي، وقد نص الدستور الإيراني في مادته (154) الفصل العاشر المتعلق بالسياسات الخارجية على أن "تلتزم ايران بإسناد كافة النضالات المحقة للمستضعفين أمام مستکبري العالم في أيّ نقطة من نقاط المعمورة". وهي القاعدة التي يسير عليها النظام الإيراني في إنشاء تكتلات شيعية في مختلف الدول، تظهر بصيغة الأقلية المظلومة وشعاراتها مواجهة دول الغرب الكبرى. والغاية الخفية من ذلك تحقيق السيطرة الإيرانية والتوسع في العالم العربي والإسلامي من أجل "التمكين الشيعي".
ولأن لإيران تواجد مهم على خريطة الاستراتيجيات العالمية، لطبيعة موقعها الجيو استرايجي، فقد مكنتها هذه الميزة الجغرافية من أن تكون نقطة تواصل بين شرق قارة آسيا وغربها، فضلًا عن وقوعها على طرق موارد التجارة العالمية والثروات البترولية، بالإضافة إلى توافرها على المزايا المادية والتاريخية. وهذه المصادر وغيرها جعلتها تستشعر فائض القوة الذي انعكس بدوره على طبيعة استراتيجيتها الإقليمية، شجعها ذلك على اقتحام الكثير من مناطق العالم، من خلال توظيف البعد المذهبي والثقافة الإيرانية بشكل يستهدف الشعوب قبل الأنظمة والنخب دون الحكومات، وأن تنفذ إلى داخل الكيانات المؤدلجة فكريًا، متجاوزة بذلك الأطر التقليدية لمفهوم استخدام القوة، إذ اعتمدت إيران في تصدير ثورتها على الأيديولوجيا والأفكار والتقاليد الدينية التي تبثها بشكل مدروس، وعلى تبني كيانات محلية بصيغ دينية تنشأ بموازاة الدول وتتوسع حتى تمتلك القدرة على التأثير أو التعطيل للدولة التي نشأت فيها بقوة السلاح، ومن ثم السيطرة عليها بموجب المواجهة والحرب الإيرانية اللامباشرة، التي شنتها من وراء هذه الجماعات، كما حدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن، حتى أعلنت إيران أنها تحكم أربع عواصم عربية بشكل مباشر وفق هذا التكتيك، بينما تنتشر خلاياها وتعمل في كثير من الدول المهمة وغير المهمة في المنطقة وخارجها، وجميعها تعمد إلى تحقيق الحلم والأيديولوجيا الإيرانية وتتحين الفرصة لذلك في إطار عمل منظم. من جهة أخرى أرادت إيران أن تحمي تحركاتها هذه ورغباتها بالسعي لامتلاكها السلاح النووي بغية أن تمثل لديها هذه القوة قدرة دفاعية في المستقبل من جهة، وفزاعة أو ملهاة من جهة أخرى تحجز العالم من اتخاذ مواقف صارمة إزاء أطماعها وتحركاتها.
الشرق الأوسط.. ونفوذ إيران:
يرى النظام الإيراني في أن السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الجزيرة العربية الهدف الأعمق لمشروعها الاستراتيجي، باعتبار قدسية وتاريخية هذه المنطقة لدى المسلمين، فالوصول إليها يعني التحكم بالعالم الإسلامي هوية وثقافة، والتأثير على العالم الاقتصادي والسياسي وفقاً لمقومات هذه المنطقة الاقتصادية وثرواتها، وأيضاً موقعها الجغرافي ومكانتها السياسية، إذ تعد منطقة الشرق الأوسط معبراً ووسيطًا بين القارات الثلاث؛ آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتطل على أبرز المسطحات المائية في العالم، بالإضافة إلى ما تتمتع به من غِنىً في مواردها الطبيعية، وتحوي ثلث الإنتاج النفطي العالمي، كل هذا وغيره جعل من هذه المنطقة مكاناً للتنافس والأطماع. لذلك سعت إيران منذ أيامها الأولى لهذه الغاية، معتمدة على أدواتها المختلفة، وقد أعدت لذلك الخطط والرؤى الممتدة لسنوات. على أن الوصول إلى قلب الجزيرة العربية يمر بالسيطرة على المناطق المحيطة بدول الخليج والمملكة العربية السعودية، لذلك اتجهت إيران لترسيخ نفوذها منذ بداية ثمانينات القرن الماضي في لبنان ومن ثم العراق وسوريا في الشمال حتى وصلت إلى اليمن في الجنوب، وهي في سبيل ذلك تجيش مواردها الضخمة في تسويق نموذجها السياسي الثيوقراطي الطائفي، خصوصًا في دول الجوار الخليجي والعربي، وتنفق على حلمها الإمبراطوري بكل السبل، بينما ينعكس أثر ذلك على شعبها بمزيد من المعاناة الاقتصادية وسوء المعيشة.
ويتمثل الهدف الاستراتيجي لطهران، في بسط هيمنتها على مجمل منطقة الشرق الأوسط، ضمن مفهوم المجال الحيوي في تفكير العقل الاستراتيجي الإيراني، خاصة المجالات المتاخمة لها سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا، انطلاقًا من مفهوم عقائدي لديها بأنها قوة إقليمية عظمى مؤهلة حضاريًا وعقائدياً لقيادة دول المنطقة. ولذلك شكلت الهيمنة الإيرانية على العراق، المرتكز الرئيس للتغول الإيراني في المنطقة، من هنا جاءت الوثيقة الاستراتيجية "إيران 2025"، حيث وضعت هذه الوثيقة خريطة الطريق للبعد المستقبلي للدور الإيراني في المنطقة، والعراق نقطة الانطلاق فيها نحو الشرق الأوسط ودوله.
ونتيجة ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تحولات سياسية كبيرة خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى إعادة تشكيلها وهيكلتها من جديد، كانت إيران تجد كل هذه الظروف مواتية لها للتغلغل، فحالة الصراعات والانقسامات كانت تمثل فرصاً سانحةً لإيران كما حدث في لبنان، إذ مثَل إنشاء حزب الله عام 1982م الوتد الأول لهذه الخيمة، وما تبعها من سيطرة شبه كاملة على العراق وسوريا وجزءًا من اليمن، في حين أن هذا التدخل الإيراني المباشر قد أنتج أوضاعًا مأساوية في كل هذه الدول، وهي البيئة التي يرى النظام الإيراني أنها الأخصب لتمدده واستمراراه، فتحويل الدول من أنظمة مستقرة إلى دوائر من الفوضى والتفكك يمنح المشروع الإيراني قدرة على التحرك والتحكم والتهديد المستمر.
التدخل الإيراني في اليمن :
العلاقة بين إيران واليمن بها جذور قديمة، ففي عهد الدولة الحميرية استنجد الملك اليمني سيف بن ذي يزن بالفرس عام 575 م لطرد الأحباش، وظلت إيران بعيدة عن اليمن بعد ذلك، حتى قيام الثورة اليمنية ضد نظام الحكم الإمامي عام 1962م، حيث قدَم شاه إيران حينها بعض الدعم المحدود للقوات الملكية، ثم اتسمت العلاقات الإيرانية اليمنية الرسمية بالبرود، إلى أن جاءت الثورة الإيرانية فاستغلت حضور المذهب الزيدي في مناطق اليمن الشمالية، وهو حالة وسطى بين الشيعة والسنة وإن كان أقرب إلى الشيعة لكن بتخفف كبير من مغالاتهم، فاستقطبت بعضَ مراجعه، وكان أن سعت في البداية لاستدعاء عدد من الطلاب اليمنيين للدراسة في حوزاتها ومؤسساتها الدينية. بالأخص ونظام الشمال كان وقف مع نظام صدام حسين في ثمانينيات القرن الماضي في حربه ضد إيران، وأرسل حينها نخباً عسكرية للاشتراك في القتال ضدها، وفي الشطر الجنوبي لليمن أقامت إيران بعد الثورة علاقات محدودة من قياداته في ظل حالة العداء المشتركة بينهما للغرب والرأسمالية، وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م، زادت إيران من نشاطها في نشر التشيع في اليمن بواسطة بعض الكوادر الشيعية العراقية ممن كانوا يقيمون في اليمن أثناء الحصار المفروض على العراق آنذاك. كما تزايدت مساعي علاقاتها مع القطاعات اليمنية المنتمية إلى المذهب الزيدي، من خلال عديد من الأنشطة، ودعوتهم لزيارة إيران.
وفي الفترة من عام 2004 وحتى 2010م، تصاعد دور إيران في اليمن بشكل ملحوظ، من خلال دعمها للحوثيين في صراعهم المسلح مع الحكومة اليمنية، وما إن دخلت اليمن في إطار ما سمي بالربيع العربي وتعرض نظام علي عبد الله صالح في عام 2011م لاهتزازات واضحة، وجد النفوذ الإيراني مساحات للتحرك، عبر دفعها الحوثيين إلى الواجهة بقوة للتأثير على الأحداث واللعب في المشهد السياسي الهش حينها، ودعمهم الصريح بالمال والسلاح رغم حالة الإنكار حينها، كما تواصلت إيران مع شخصيات مؤثرة في القضية الجنوبية وقدمت لهم الدعم، بالتوازي مع استقطابها لشخصيات من المحافظات الشمالية وعدد من المؤسسات الإعلامية والفعاليات السياسية، حتى أعلنت السلطات اليمنية في عام2009م ضبطها لسفينة إيرانية محملة بالأسلحة لدعم الحوثيين نفتها طهران حينها، فيما صرح عدد من رجال الدين الشيعة مثل مقتدى الصدر بدعمه للحوثيين، وفي 13 ديسمبر 2009م تحدث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن تدخل إيراني في اليمن والقبض على خلايا تابعة لها بصنعاء في يوليو2012م، وأكدت الداخلية اليمنية حينها أن شبكة تجسس إيرانية تعمل منذ 7 سنوات يقودها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني وتدير عمليات تجسس في اليمن والقرن الإفريقي. وفي 23 يناير 2013م، تم القبض على السفينة جيهان الإيرانية المحملة بالأسلحة عندما كانت في طريقها إلى ميناء ميدي القريب من الحوثيين، وكانت السفينة تحمل 48 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات.
وعقب سيطرة الحوثيين على الوضع في سبتمبر 2014م سعت إيران لإعلان شراكتها معهم بشكل جلي بعد اعترافها بسلطتهم، من خلال توقيع اتفاقيات اقتصادية للتعاون بين الطرفين في مجالات النفط والكهرباء والنقل الجوي والبحري، وإيفاد خبراء إيرانيين في شتى مجالات البنية التحتية، وكان الأبرز تفعيل جسر جوي مباشر بين الحوثيين وإيران بواقع 14 رحلة أسبوعيًا، سرعان ما تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية وأطلق عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م، مما أعاق التنفيذ الفعلي لتلك الاتفاقيات، وحال دون مزيد من التحكم الإيراني المباشر في اليمن، وإن كان لم يمنعه بشكل كامل.
الحوثية.. أداة إيران في اليمن:
ولدت الحركة الحوثية (أنصار الله ) في اليمن في الثمانينيات، على يد مؤسسها بدر الدين الحوثي الذي كان قد استقر بإيران منذ عام 1985م لعدة سنوات، كما جرى استقطاب عدد من الشباب والطلاب من محافظة صعدة، لتأهيلهم فكرياً وعسكرياً، وتم تأسيس منتدى الشباب المؤمن عام 1988م، بعد زيارات قياداته إلى طهران والتقائهم بمسئوليها، ثم توالت الأنشطة المذهبية في اليمن وافتتاح الحوزات العلمية، لنشر الفكر الأمامي وتجنيد الاتباع. وبالتوازي مع ذلك، تم تأسيس حزب الحق، وفقًا للفكرة المذهبية، مستفيداً من حالة التعددية السياسية بعد الوحدة اليمنية 1990م.
عمل تنظيم الشباب المؤمن على إقامة المنتديات والفعاليات، يتلقى فيها الشباب وصغار السن تعليماً مذهبياً قائماً على النقاء السلالي، والأحقية في الحكم، وتعريفهم بثورة الخميني، كما أُرسل المئات من الشباب إلى إيران ولبنان، لتلقي تدريبات متنوعة بإشراف من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في لبنان.
ومنذ العام 2000م أخرجت الحركة شعاراتها المتأثرة بالثورة الإيرانية، حتى أعلنت تمردها على الحكومة اليمنية في عام2004م في أول جولة من الحروب الست. ومع توقف جولات الحرب بصعدة في العام 2010، كان الحوثيون يسيطرون فعلياً على مناطق وعتاد كبير من الأسلحة الثقيلة، وما إن تنامت الهبة الشعبية ضد نظام صالح ثم مغادرته السلطة، حتى شرعت الأبواب أمام الحوثيين، للاستيلاء على معسكرات إضافية واستقطاب قادة عسكريين. وفيما كانت القوى السياسية منشغلة بمؤتمر الحوار الوطني حول شكل الدولة، ومعالجة آثار حروب صعدة والجنوب، كان الحوثيون يبنون استعداداتهم الحربية، ويتوسعون بهدوء في مناطق عمران وحجة، حتى وصلوا مشارف مدينة عمران مطلع العام 2014م، بعد أن طردوا الجماعات السلفية من صعدة. ثم اقتحموا العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 201، وصارت قدرات الجيش اليمني بما فيها الصواريخ الباليستية في قبضة الحوثيين. وما كان لهذا السيناريو أن يتم دون إعداد إيران لمليشيا الحوثي البدائية بكل أدوات النفوذ والسيطرة والخبرة، علاوة على ضعف القرار الدولي حينها الذي تغاضى عن تحركات الحوثيين، رغم أن اليمن حينها كان تحت إشراف المجموعة الدولية لإخراجه من أزمته.
ورغم مرور أكثر من أربعة أعوام على انطلاق التحالف العربي لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن؛ إلا أن إيران تتخذ من مليشيا الحوثي ورقة ضاغطة في الصراع الدائر، وتؤثر بشكل معلن على قرارات الحركة في مسارات التفاوض السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، بل وتعيق كثيرًا من الخطوات التي كان يمكن أن تضع حدًا لهذه الحرب المدمرة لليمنيين، ورغم أن المجتمع الدولي قد توجه إلى إيران أكثر من مرة لأجل أن توقف تدخلها ودعمها للحوثيين إلا أنها تزيد من دعمها لهم، بل اعتمدت مؤخرًا سفيرًا رسمياً للحوثيين لديها، وأعلنت دعمها الكامل لهم بما يمثل وصاية عليا على اليمن.
مخاطر النفوذ الإيراني في اليمن ومآلاته:
تدرك إيران أن نفوذها في اليمن يعزز من توسعها باعتبار ما يملكه اليمن من موقع استراتيجي هام، كما يعزز من تأثيرها في منطقة الجزيرة العربية بشكل أقرب، كما يقربها من القارة الإفريقية، ولديها محاولات عديدة في هذا الاتجاه لإقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر بالتعاون مع بعض الأنظمة في إفريقيا، وفي حال سيطرت إيران على باب المندب بعد سيطرتها على مضيق هرمز، فإنها تكون قد وضعت يدها على أهم الممرات التجارية البحرية الدولية، وأصبحت القوة المتحكمة بهما، فيما يسمى بحرب المضايق، وحينها ستلحق بالعالم خسائر كبيرة يصعب التنبؤ بحجمها.
كما أن النفوذ الإيراني في اليمن هدفه الإضرار المباشر بدول الخليج العربي في مقدمتها المملكة العربية السعودية، والحد من نفوذها وقوتها، بعد السيطرة على اليمن وعزلها عن محيطها العربي وهويتها الثقافية، وبالتالي تهديد الثقافة والهوية في اليمن والجزيرة العربية، وإشغال دول الجزيرة ببؤر صراع مختلفة في شمالها وجنوبها. لذلك ترى إيران أن مصلحتها بقاء اليمن في حالة من الفوضى والاضطراب واللادولة، مما يشكل بيئة حاضنة لمشروعها ونفوذها، كما ترى إيران أن نفوذها هذا في اليمن هو ورقة ضغط إضافية في مواجهة الغرب، وتلويح بالقوة في منطقة استراتيجية، تجبر الغرب على الاعتراف لإيران بمصالحها الحيوية.
كما أن استمرار نفوذ إيران في اليمن وفقاً لأجنداتها الطائفية يسبب شرخاً عميقًا في الجسد اليمني، وقد أحدث هذا النفوذ منذ ظهوره حالة من الانقسام والعصبيات والطائفية كانت قد دفنت في اليمن، وعادت الآن بشكل فج، وسيكون لها آثار مدمرة للبنية الاجتماعية والتعايش في اليمن وربما الجزيرة العربية لسنين طويلة.
علاوة على أن هذا النفوذ الإيراني ومشاريعه يستجلب التنظيمات الإرهابية المتطرفة الأخرى ويوفر لها بيئة خصبة في اليمن، تهدم ما حاولته اليمن والمجتمع الدولي من محاربة الإرهاب سابقاً.
ويكفي من مخاطر هذا النفوذ الإيراني أنه أفقد اليمن مقومات الدولة، وأعادها للوراء لعشرات السنين وقضى على اقتصادها وحيويتها، وأدخلها في دوائر من الصراع اللامتناهي، وكل ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم في المنطقة والعالم أيضاً، وسيكتوي الجميع بنار هذا الخراب بدرجات متفاوتة.
على أن مآلات هذا النفوذ تصير إلى سيناريوهات مخيفة، ففي حال تعاظم هذا النفوذ واستمر فإن العالم ربما ينسى دولة كان اسمها اليمن، بكل حضارتها ومقوماتها، كما أن استمرار هذا النفوذ سيشعل حروباً في المنطقة، ويحمل العالم الإنساني كلفة كبيرة جراء الحرب والدمار؛ أو أن يحدث إنهاء لهذا النفوذ عبر هزيمة الحوثي بقوة عسكرية، وإضعاف دور إيران أو هزيمة نظامها في حال المواجهة، عندها يمكن الركون إلى معالجة آثار هذا النفوذ، أمّا بقاؤه وتناميه في اليمن عبر أدواته وعلى هذا النحو من استخدام القوة وعدم الجنوح للسلام؛ فإنه في كل الأحوال مدعاة لاشتعال النار أكثر في اليمن والمنطقة.
خاتمة وتوصيات: