عــجــز المـوارد في اليمن
الآثار المنهكة.. والمعالجات الضرورية
د.م/ سامي محمد قاسم نعمان
المقدمة
تعاني اليمن من صراع عسكري وسياسي اثر في حياه المواطنين.
فقد ادى الصراع السياسي والعسكري الى تأثيرات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وخلال السنوات الأخيرة من الحرب تحول الصراع من عسكري سياسي الى اقتصادي واصبحت النتائج كارثية على المواطنين نتيجة للصراع الاقتصادي على الموارد وعلى ادارة الجوانب الاقتصادية المالية والنقدية في البلد.
إن عجز الموارد في اليمن له تبعات اقتصادية خطيرة يتأثر بها الكثير من سكان هذا البلد الذي يبلغ نسبه الفقر فيه اكثر من 80%، مع اتساع عجز الموارد الذي يتضمن عجز في الموازنة العامة للدولة وعجز في الميزان التجاري وهو ما يسبب خلل في المنظومة الاقتصادية وتسارع معدلات الانهيار الاقتصادي وارتفاع مستويات التضخم وانهيار لقيمه العملة المحلية وغيرها من الاثار الاقتصادية الكارثية، كل ذلك سنحاول توضيحه بشكل ملخص في هذه الورقة النقاشية.
تعريف العجز في الموارد:
يعرف العجز في الموارد ( العجز المزدوج في الموارد) بأنه العجز في الموازنة العامة ( زيادة الانفاق العام على الايرادات العامة) مصاحبا بعجز في الحساب الجاري نتيجة للعجز في الميزان التجاري ( زيادة الاستيراد على التصدير).
تعريف الموازنة العامة للدولة:
تعرف الموازنة العامة بانها الخطة المالية للدولة التي تتضمن تقديرا لنفقات الدولة وايراداتها خلال العام القادم، وهي ايضا تشير الى متطلبات تحقيق خطه الدولة التنموية.
فالموازنة تعتبر بمثابه البرنامج المالي للخطة التي تعمل بها الدولة عن سنه ماليه مقبله من اجل تحقيق اهداف محدده في اطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول.
أهمية الموازنة العامة
تتمحور اهميه الموازنة العامة للدول في عده نقاط اهمها:
1- اداره الموارد وتخصيصها:
حيث تعتبر الموازنة اداه تخطيط لتحديد كيفيه تخصيص الموارد المحددة من خلال التوقع التنبؤ بالتكاليف المختلفة للأنشطة والبنود التنفيذية
2- التوجه والتخطيط ورسم الاطار العام:
حيث تقدم الموازنة الدقيقة توجيها شاملا للاطار المالي المتوقع للفترة القادمة مع توقع للتغيرات النقدية واليات حشد الايرادات وكيفيه صرف المصروفات.
3- اليه لتنفيذ عمليات الرقابة والتتبع للأجهزة المنفذة (السلطة التنفيذية).
أهداف الموازنة العامة
هناك اهداف اقتصاديه واجتماعيه للموازنة العامة فهي تعبير مالي عن خطط الحكومة للعام المالي القادم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية، وبالتالي هي تهدف لتحقيق الاهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الاستقرار للمجتمع وفقا لأهداف الحكومة العامة.
العجز في الموازنة:
العجز في الموازنة يحدث عندما تزيد النفقات العامة عن الايرادات العامة.
وتؤثر مشكله العجز في الموازنة العامة للدولة على الاقتصاد بشكل كامل حيث تصيب كافة المجالات سواء الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية وفي ظل احتياجات بشرية متزايدة.
تعتبر السياسة المالية من اهم السياسات الاقتصادية التي لها انعكاسات على النمو الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء ويعتبر جانب الانفاق العام صاحب تأثير كبير على النشاط الاقتصادي باعتباره مكونا رئيسيا في الطلب الكلي الذي هو احد محددات النمو والاقتصادي فعجز الموازنة يؤثر في ارتفاع التضخم الذي يعرقل بدوره النمو الاقتصادي طويل الاجل[1].
نظرة عامة لخطة الانفاق العامة للدولة للعام 2024 :
وفقا لخطة الانفاق للموازنة العامة للدولة للعام 2024 فقد قدرت الموارد العامة للدولة المتوقعة للعام 2024 بمبلغ (2,485,359,306,046) ريال يمني – فقط / اثنين تريليون واربعمائة وخمسة وثمانون مليار وثلاثمائة وتسعة وخمسون مليون ريال وثلاثمائة وستة الف وستة واربعون ريالا لا غير( اي ما يعادل (1,304,650,554) دولار – مليار وثلاثمائة واربعة مليون وستمائة وخمسين الف وخمسمائة واربعة وخمسين دولار امريكي – ( بسعر صرف 1$= 1905 YR ([2]
بينما قدرت الاستخدامات العامة المتوقعة للعام نفسه (3,264,525,986,127) ريال فقط/ ثلاثة تريليون ومئتان واربعة وستون مليار وخمسمائة وخمسة وعشرون مليون وتسعمائة وستة وثمانون الف ومائة وسبعة وعشرون ريال لا غير اي ما يعادل (1,713,661,934) دولار – مليار وسبعمائة وثلاثة عشر مليون وستمائة وواحد وستين وتسعمائة واربعة وثلاثين دولار امريكي.
أي أن العجز المقدر بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023 قدر بمبلغ (779,166,680,081) ريال فقط – سبعمائة وتسعة وسبعون مليار ومائة وستة وستون مليون وستمائة وثمانون الف وواحد وثمانون ريالا لا غير ما يعادل (409,011,380$) / اربعمائة وتسعة مليون واحدى عشر الف وثلاثمائة وثمانين دولارا امريكيا، وبنسبة عجز 23.8% من حجم الموازنة اي أن عجز الموازنة يقترب من ربع الموازنة العامة للدولة.
بلغت حجم المنح ضمن الايرادات العامة للدولة للعام نفسه ( 1,083,460,000,000) ريال / تريليون وثلاثة وثمانين مليار واربعمائة وستين مليون ريال اي ما يعادل 568,745,406$ /خمسمائة وثمانية وستين مليون وسبعمائة وخمسة واربعمائة وستة دولار امريكي وبنسبة 43,5% من حجم الايرادات و33% من حجم الموازنة العامة لنفس العام.
عجز الميزان التجاري اليمني:
يعد اليمن من أكثر الدول المعتمدة على الاستيراد بنسبة تقارب 80% لتوفير احتياجاته السلعية، في المرتبة 110 من حيث الواردات عالميًا للعام2022 بحسب موقع "اوكويو الأمريكي" اليمن الذي يأتي في المرتبة 148 من حيث الصادرات، والمرتبة 96 من حيث الواردات[3].
بحسب تقرير البنك المركزي لعام 2022[4] ان معاملات اليمن مع العالم الخارجي خلال العام 2022 قد اظهر حدوث عجز في الميزان الكلي للمدفوعات بحوالي 758 مليون دولار تشكل ما نسبته 3.7% من الناتج المحلي الاجمالي.
ويعود العجز الحاصل في ميزان المدفوعات في عام 2022 اساسا الى عجز الحساب الجاري والحساب الرأسمالي والمالي حيث بلغ العجز في الحساب الجاري ما قيمته 3 مليار و193 مليون دولار وشكلت نسبته 15.5 الى الناتج المحلي الاجمالي في عام 2022
جاء عجز الحساب الجاري في عام 2022 نتيجة العجز في الميزان التجاري وميزان الدخل بمبلغ ١٠.٩٦٦مليون دولار ، ٧٥٤٢ مليون دولار على التوالي.
بلغ عجز الميزان التجاري في عام 2022 10 مليار و 966 مليون دولار وبنسبه 53% من الناتج المحلي الاجمالي
ورغم ارتفاع الصادرات بمقدار 33.5 مليون دولار في عام 2022 لتسجل 1,495مليار دولار اجمالي صادرات لعام 2022 إلا انها لم تعالج العجز في الميزان التجاري الذي اتسع.
وتمثل صادرات النفط الخام النسبة الاكبر من حجم الصادرات حيث تشكل ٦٦.٢% من حجم الصادرات الكلي كما بلغت الصادرات الاخرى غير النفطية 505 مليون دولار في عام 2022 وارتفعت حصتها إلى ٣٣.٨% من حجم الصادرات .
فيما يخص الواردات فقد ارتفعت اجمالي قيمه الواردات لتصل الى 12,461 مليار دولار في عام 2022 لتشكل الواردات 60% من الناتج المحلي الاجمالي مرتفعة عن 53% في عام 21 سجلت الواردات النفطية والمشتقات النفطية 27% من حجم الواردات الكلية وبقيمه 3 مليار و419 مليون دولار بينما ارتفعت قيمه واردات السلع الغذائية الأساسية لتصل الى 5 مليار و656 مليون دولار لتمثل 45% من حجم الواردات السلعية وبنسبه 27% من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2022.
بينما الواردات الاخرى بلغت قيمتها 3 مليار و386 مليون دولار في نفس العام منخفضه عن عام 2021 لتصل الى 27% من اجمالي واردات السلع والخدمات في عام 2022 وبنسبه 16% من الناتج المحلي الاجمالي.
وبالتالي يتضح أن اليمن تعاني من عجز كبير في الميزان التجاري بسبب تضاعف فاتورة الاستيراد.
كما أن توقف صادرات النفط والغاز ضاعف من حجم العجز في الميزان التجاري حيث فقدت الصادرات اليمنية 66% من حجمها نتيجة لذلك.
أسباب عجز الموارد في اليمن:
هناك الكثير من الاسباب التي أدت للعجز في الموارد في اليمن سواء عجز الموازنة العامة أو عجز الميزان التجاري وسيتم تناول الاسباب لكل منهم بشكل مركز.
أولا اسباب العجز في الموازنة العامة للدولة:
ثانيا اسباب العجز في الميزان التجاري:
الاثر الاقتصادي لعجز الموارد في اليمن
أن لعجز الموارد في اليمن اثار اقتصادية سلبية تراكمت مع مرور الزمن ككرة ثلجة متدحرجة مع غياب الحلول الحكومية وغياب الرؤية والتخطيط لمواجهة هذا العجز، فقد لجأت الحكومات السابقة إلى تمويل العجز بالموازنة العامة بالاقتراض محليا أو التمويل التضخمي، ثم لجأت للتمويل عن طريق الهبات والمساعدات والتي لم تكفي في سد العجز، بينما لم تتخذ اي اجراءات لتحقيق التوازن في الميزان التجاري وهو ما ساهم في توسع العجز القائم في اليمن.
الاثار المترتبة على العجز في الايرادات والموارد على الاقتصاد:
وفيما يلي ابرز الاثار المترتبة على عجز الموارد والايرادات في الاقتصاد:
حيث أن الاقتراض الداخلي والخارجي هو احد السبل لسد العجز في الموارد في اليمن، حيث بلغ الدين العام المحلي ( منذ قرار نقل عمليات البنك المركزي اليمني إلى العاصمة المؤثتة عدن في سبتمبر 2016) مبلغ وقدره (4,442,000,000 ريال) اربعة تريليون واربعمائة واثنين وأربعين مليار ريال يمني / ما يعادل 2,331,758,530 $ - اثنين مليار وثلاثمائة وواحد وثلاثين مليون وسبعمائة ثمانية وخمسين الف وخمسمائة وثلاثين دولار امريكي وبنسبة 136% من حجم الموازنة العامة لليمن.
حيث يؤدي العجز إلى ارتفاع اسعار السلع خصوصا في ظل ان البلد يعتمد على الاستيراد في تلبية احتياجاته من السلع وفي ظل انهيار اسعار العملة المحلية.
في ظل عجز الموارد والايرادات يصبح تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية صعبا فتلجأ الحكومة إلى تحويل مخصصات المشاريع إلى مخصصات لتلبية الحاجات الضرورية من مرتبات ومشتقات مخصصة للكهرباء وادارة شؤون الدولة فتتوقف عجلة التنمية الاقتصادية الممولة من الحكومة،
فاليمن كان يحتل المرتبة 154 من أصل 187 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لعام 2012 بينما اصبح في المرتبة 179 في عام 2020، ووصلت للمرتبة 186 من 193 دولة في تقرير عام 2023م.
أن الاعتماد على المنح والمساعدات يجعل من قرار الحكومة مرتهننا للجهات الداعمة مما يفقد الحكومة القدرة على الاستقلال في قراراتها ويزيد من سبة تبعيتها السياسية والاقتصادبة.
حيث أن تمويل العجز بالإصدار النقدي كان السبب الرئيسي لانهيار العملة اضافة لانخفاض الصادرات وارتفاع الواردات مما سبب ضغوط تضخمية وانخفاض اسعار العملة المحلية.
إن عدم قدره الموازنة على تسديد قيمة القروض يساهم في استمرار العجز في الموازنة لسنوات مقبلة.
عدم قدرة الدولة على تدبير الموارد يدفعها للتخلي عن برامج الحماية الاجتماعية وبرامج الرعاية الاجتماعية أو في احسن الظروف تخفيف الانفاق في هذا الجانب، وفي اليمن ومنذ قبل الحرب كانت اليمن رغم وجود نصوص قانونية واضحة في هذا الجانب : ينص الدستور اليمني في مادته (56) ويؤكد على "التزام الدولة بتوفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالات المرض أو العجز أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العائل، كما تكفل ذلك بصفة خاصة لأسر الشهداء وفقاً للقانون"، إلا انه يمكن ملاحظة أن معظم برامج ومشاريع الحماية والرعاية الاجتماعية، إن لم تكن جميعها، ممولة من الجهات المانحة الدولية، حيث كان يستفاد منها قبل الحرب 1.013 مليون[5] اسرة لترفع بعد الحرب إلى 1.5 مليون اسرة.
ان ارتفاع معدلات التضخم وانهيار سعر العملة المحلية وتوقف برامج التنمية الممولة من الحكومة والحرب العسكرية كلها اسباب ادت لزيادة معدلات الفقر لتصل إلى اكثر من 80% ، مع وجود 21,6 مليون شخص يحتاجون للمساعدة العاجلة[6] في اليمن مع ارتفاع اسعار الغذاء (حيث يشبر المؤشر السنوي لأدنى سعر للسلة الغذائية بلوغها مستوى متوسط قدره 86,144 ريال في عام 2022م مقابل 60,766 ريال عام 2021[7].
حيث تشير التقديرات المتاحة بأن نسبة البطالة قد زادت خلال سنوات الحرب من 56% إلى ما يقارب 80%[8]
انهيار الاقتصاد وارتفاع اسعار السلع المستمر وغياب التنمية الاقتصادية وانهيار اسعار صرف العملة المحلية وارتفاع البطالة ونسبة الفقر كلها اسباب تساهم في فقدان المواطنين لثقتهم في الحكومة ويزيد من حالة التذمر في وسط المجتمع.
نتيجة لتوقف الانفاق الاستثماري الحكومي وتوقف الانفاق التشغيلي للجهات الحكومية المتخصصة وتوقف مشاريع التطوير والتحديث، بالإضافة لتوقف استثمارات جهات حكومية ورسمية عامة كانت تشكل جزء مهم من الاستثمارات المضخة في السوق المحلي مثل التأمينات والمؤسسة الاقتصادية وشركة النفط وغيرها.
النتائج :
توصل الباحث لمجموعة من النتائج كانت كالتالي:
التوصيات :
اولا التوصيات لمعالجة العجز في الموازنة العامة للدولة.
ثانيا التوصيات فيما يخص معالجة العجز في الميزان الجاري:
عند اعادة تصدير النفط والغاز ستزيد حصيلة الصادرات حيث ستمثل صادرات النفط والغاز اكثر 115% من حجم الصادرات الكلي لعام 2022م وستبلغ الحصيلة الكلية للصادرات عندها 2,230,500,000 دولار / اثنين مليار ومئتين وثلاثين مليون وخمسمائة الف دولار امريكي وبنسبة زيادة في حصيلة الصادرات تبلغ 49%.
قيمة تحويلات المغتربين اليمنيين أكثر من 4 مليار دولار [14] 2.9 مليار دولار ترسل من السعودية و 1.1 مليار ترسل من باقي دول الخليج العربية.
[1] [1] اثر عجز الموازنة العامة على النمو الاقتصادي 1990-2020 . دراسة حالة جمهورية مصر العربية، المركز الديمقراطي العربي- 8 يوليو 2023
[2] سعر الصرف بتاريخ 6 اغسطس 2024
[3] موقع اوكويو https://oec.world/en
[4] التقرير السنوي للبنك المركزي اليمني لعام 2022.
[5] يحيى صالح، الحماية الاجتماعية في اليمن واتجاهات الانفاق الاجتماعي.. (في ظل الفقر والحرب)2022.- المرصد اليمني لحقوق الانسان.
[6] خطط الاستجابة الانسانية لعام 2023- الاوتشا.
[7] التقرير السنوي للبنك المركزي اليمن لعام 2022.
[8] سامي محمد قاسم، خطط الاستجابة الانسانية ودورها في الاقتصاد اليمني.
[9] التقرير السنوي للبنك المركزي اليمني لعام 2022م.
[10] بمتوسط سعر صرف 1119,4 YR = 1$ في عام 2022 وفقا لتقرير البنك المركزي لعام 2022
[11] اليمن: 1.5 مليار دولار استثمارات أجنبية غادرت البلاد إلى الخارج- يمن فيوتشر – 19 ديسمبر 2022 - https://yemenfuture.net/
[12] 106 مليارات دولار هربت من اليمن منذ بدء الحرب – محمد راجح – جريدة الايام 29 سبتمبر.
[13] 2.3 مليار دولار تُرسَل سنويًا من السعودية.. حوالات المغتربين مورد رئيسي لدعم الاقتصاد اليمني وعامل مهم من عوامل استقرار العملة- موقع مأرب برس- 6 يوليو 2023- https://marebpress.net/
[14] تقرير البنك المركزي اليمني لعام 2022م