السلام الممكن، والتوازنات الجديدة
د. خالد عبد الكريم علي
رئيس المركز الدولي للإعلام والتنمية - فرنسا
السلام الممكن .. والتوازنات الجديدة
د. خالد عبد الكريم علي
رئيس المركز الدولي للإعلام والتنمية - فرنسا
منذ صدور الإعلان الرئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من ابريل 2022, ونحن نحاول فهم الآلية التي ينتهجها المجلس لترجمة جوهر المادة السابعة من الإعلان الرئاسي بشأن الحل السياسي الشامل حيث نصت على" أن يتولى مجلس القيادة الرئاسي التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل الى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب الى حالة السلام."(1) حيث كان ولايزال السؤال الذي يطرحه المهتمون بالشأن اليمني ما إذا كانت عملية السلام لازالت ممكنة في ظل التصعيد الذي قام به الحوثيين عقب السابع من اكتوبر في غزة؟ سؤال كهذا يقودنا الى تحليل الخطاب السياسي والإعلامي اليمني والموقف من خارطة الطريق للسلام الشامل في اليمن:
مجلس القيادة الرئاسي يرى " إن خيارات السلام مثلها مثل خيارات المعركة تكون ممكنة بالجدية والإستعداد، والثقة بالحلفاء الأوفياء ، وبذل كل الجهد لإستثمارها، وإنجاحها دون الوقوع في حبال الأوهام التي تتقن صناعة الخيبات ، والضحايا ، ونسج نظريات المؤامرة."(2)
هناك اشكالية ترتبط بالهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، التي يرى الحوثيين في ذلك دعما ومساندة للشعب الفلسطيني لوقف الحرب وإنهاء حصار غزة. بينما يرى مجلس القيادة الرئاسي إن لفلسطين في قلب كل يمني مكانة مقدسة، وهي مكانة لن تختطفها إسرائيل بالإحتلال، والمجازر، وحروب الإبادة والتهجير، ولا إيران وميلشياتها بالطائفية والتوظيف الكاذب والمزايدة التي تتكشف كل يوم على هذه القضية العادلة.
في ظل هذا التباين يخشى المهتمون بعملية السلام الإنحدار الى منزلق الحرب من جديد وإعدام خارطة الطريق للسلام الشامل في اليمن.
تلك المؤشرات ان هي اهملت، ولم تدرس بعناية، فإن ذلك من شأنه أن يفاقم الهوة بين أطراف النزاع، الشيء الذي سيعود بالضرر بعيد المدى على اليمن وسيجعل حياة المواطنين أكثر بؤسا مما هي عليه اليوم.
لذا، رؤيتنا هي التعمق في دراسة الخلافات ( صياغة المشكلة ) والبحث عن قواسم مشتركة ( صياغة الحل ) خاصة في ظل تعاظم القطيعة بين السلطة والشعب في اليمن بكامله إثر أزمات مزمنة في السياسات الاقتصادية والخدمية، تلك الأزمات تسطع اليوم أعلى من أي وقت سابق. طغى اليأس. فقد البسطاء الثقة في سرديات الإنقاذ، وبات الحديث عن أي مبادرات تفضي الى سلام شامل، لا يعدو كونه تخيلا جامحا.
الموقف الدولي والإقليمي
هكذا نجد أنفسنا أمام مفارقة كبرى مؤداها ذاك التلاقي بين حقيقتين: أن الحاجة الى السلام حاجة حد أقصى فيما الأدوات والإستعدادات السياسية أدنى من الحد الأدنى.
مبادرات السلام في اليمن
قبل الدخول في تفاصيل خارطة الطريق للسلام الشامل سوف نستعرض مبادرات السلام السابقة بشكل موجز:
بعد سبعة أشهر من توقيع الإتفاق تقدم جمال بن عمر بطلب إعفائه من مهامه في اليمن، بعد إسهامه في وضع أسس مرحلة شهدت تغيرات جذرية أثرت في اليمن ومحيطها وستبقى أثارها لعقود قادمة.
عن إتفاق السلم والشراكة قال جمال بن عمر "مسودة الإتفاق كانت تطرحفكرة التفاوض على أساس تقاسم السلطة. "(6)
2. كانت هناك مسودة للسلام في اليمن للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في إطار مساعيه السلمية خلال الفترة ( 2015- 2018 ). في الإحاطة الأخيرة له أمام مجلس الأمن الدولي قال ولد الشيخ "خلال السنوات الثلاث الأخيرة تم وضع أسس متينة لإتفاق سلام من خلال تصديق الإطار العام في بيال السويسرية عام 2015 ومناقشة الحيثيات والتفاصيل في الكويت في عام 2016. وتم وضع مقترح كامل وشامل بالتشاور مع كافة الفرقاء إلا أنهم رفضوا في الساعات، لا بل في الدقائق الاخيرة، التوقيع عليه. وقد تبين في نهاية المشاورات أن الحوثيين ليسوا مستعدين في هذه المرحلة لتقديم التنازلات في الشق الأمني أو حتى الدخول في تفاصيل خطة أمنية جامعة، مما شكل معضلة أساسية للتوصل إلى حل توافقي."(7)
3.إتفاق ستوكهولم جرى توقيعه في 13 ديسمبر 2018 في مملكة السويد أثناء مرحلة مارتن غريفيث المبعوث الخاص للأمين العام المتحدة الى اليمن للفترة فبراير 2018- اغسطس 2021.
تضمن إتفاق ستوكهولم ثلاثة محاور رئيسية هي :
واجه هذا الإتفاق ولازال كثير من الإنتقادات حيث اعتبره الكثيرون أنه تماهى مع الحوثيين وأوقف عمليات الجيش الوطني لتحرير محافظة الحديدة، واعتبر البعض ان الإتفاقية كانت مجحفة بحق محافظة تعز التي لم تعطى أهمية تذكر وخصت بإعلان تفاهمات مبهم.
في آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي في 15 يونيو 2021 قيم مارتن غريفيث مهمته في اليمن وقال " بكل اسف، أبلغكم اليوم والآن أن الطرفين لم يتغلبا بعد على خلافاتهما."(8)
4. سوف نستعرض مسودة اتفاق ( خارطة السلام الشامل للأزمة في اليمن ) التي هي محط اهتمامنا ، والتي تنفذ على ثلاثة مراحل برعاية هانس غروندبرغ المبعوث الأممي الذي بدأ مهمته في اليمن في أغسطس 2021. تبدأ خارطة الطريق بوقف شامل لإطلاق النار وفتح جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، ودمج البنك المركزي، واستئناف تصدير النفط ودفع رواتب الموظفين، واستكمال تبادل الأسرى. وفي اطار جهود الوساطة عقدت السعودية منذ سبتمبر 2022 مفاوضات غير مباشرة ثم مباشرة مع الحوثيين بمشاركة عمانية لتمديد الهدنة مع توسيع بنودها لتشمل " دفع رواتب الموظفين من إيرادات النفط والغاز وفتح المطارات والموانئ والطرقات وإطلاق الأسرى، وبدء ترتيبات إنهاء الحرب وإحلال السلام. يشار الى أن الرياض دفعت بالوساطة العمانية نهاية 2021 عقب تمادي الحوثيين في إستهداف المنشآت النفطية الإقتصادية في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات، بالطائرات المسيرة المفخخة والصواريخ الباليستية، تحت ذريعة حق الرد على غارات طيران التحالف وحصار ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
في 30 أغسطس 2024 وافق مجلس القيادة الرئاسي على خارطة الطريق الى السلام الشامل في اليمن، المقترحة من السعودية والتي تبنتها الأمم المتحدة نهاية ديسمبر 2023 وكانت الحكومة اليمنية قد سبقت الموافقة بتقديم تنازلات بينها إلغاء قرارات البنك المركزي وفتح مطار صنعاء بضغط من السعودية، ودفع أطراف دولية.
الشرعية في إطار خارطة الطريق للسلام الشامل
الحوثيون في إطار خارطة الطريق للسلام الشامل:
الخلاصة
أصبحت الأزمة في اليمن أزمة بنيوية شاملة في الدولة والمجتمع تؤثر سلبا في حياة الناس. تعددت أضرارها إنسانية وإقتصادية وإجتماعية. تنوعت المشاريع المذهبية والقبلية والمناطقية ذات الطابع الإنفصالي.
لذا، تعد خارطة الطريق للسلام الشامل هي الخيار الواقعي والوحيد المطروح الذي يدعو الى دولة يمنية ديمقراطية موحدة، كما أن نهج السلام لابد أن يكون تشاركيا مع الجميع كالمنظمات الأهلية والمكونات الغير حزبية والنخب التقليدية والتجار والقطاع الخاص. والأمر هنا لا يتعلق بالأحزاب السياسية منفردة بعد أن بهت دورها ووقفت متفرجة أمام معاناة الشعب وأظهرت انتهازية غايتها الاستحواذ على المناصب في سلطة ترتكز على المحاصصة.
ختاما، على الجميع الإعتراف بالواقع دون مكابرة لوقف تشظي الدولة عند المحطة التي بلغناها. فكل ما يحصل يأمر بذلك، ويحض على البحث عن كل فرصة سياسية لاتزال متوفرة لمغادرة المأساة التي تتمادى. لن يظل العالم يختلق مبادرات سلمية. سيتوقف كل ذلك وسينسى اليمن وصراعاته. كثيرة هي الصراعات المنسية.
اليوم تصاعدت التوترات في المنطقة وأثرت بدورها على الصراع في اليمن، وظهرت توازنات قوى غيرت معادلة السلام التي يحملها غروندبرغ وبات جليا التلويح بإمكانية الحل العسكري، بعد أن كنا نعول فقط على الحل السياسي والتفاوضي ونمط الحياة الجاذب.
أما الماضون في رفض خارطة السلام الشامل أو عرقلتها أو إدانة كل دعوة إلى التوقف عن مواصلة النزاع، فلا يفعلون غير التسبب بمزيد من الدم، و مزيد من الفقر، والمضي نحو ضرب كل ما تبقى من مقومات الدولة، والوقوع في الانهيار الكامل.
المراجع