26 يونيو 2025 تحميل ملف pdf
مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية
مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية

تقدير موقف

 
 مصير جماعة الحوثي بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية


 *وحدة الدراسات السياسية والاستراتيجية بالمركز


 
شهدت منطقة الشرق الأوسط منذ شهور تصعيدًا غير مسبوق نتيجة الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران وما قبلها، التي امتدت تداعياتها إلى أذرع طهران الإقليمية، وعلى رأسها جماعة الحوثي في اليمن. ومع انتهاء هذه الحرب أو دخولها في مرحلة التهدئة الدولية، يُطرح سؤال جوهري حول مصير الحوثيين، الذين تصدروا واجهة الصراع الإقليمي ضمن ما يُعرف بـ"محور المقاومة". وتبنوا دوراً فاعلاً في خارطة الصراع مساندة لإيران تحت لافتة دعم القضية الفلسطينية، وإن كانت الجماعة قد تلقت بعض الضربات ودخلت في مواجهة مباشرة مع الغرب وإسرائيل، لكنها حتى الآن نجت من مصير حزب الله في لبنان، وما زالت تتمتع بقدرة على المناورة، ومساحة مهمة للتهديد والمواجهة، رغم خفوت دورها أثناء الحرب الإيرانية الإسرائيلية، باستثناءات بسيطة لإسناد طهران عسكرياً، ووقوفها إعلامياً خلف طهران بشكل كبير في المعركة.

 

---

أولًا: الحوثيون في قلب الصراع الإقليمي

منذ اندلاع الحرب، لعب الحوثيون دورًا نشطًا في تأجيج المواجهة، عبر استهداف السفن في البحر الأحمر وباب المندب، وضربات بطائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل وسفن أمريكية. وقد استثمروا هذا التصعيد لتعزيز صورتهم كقوة "ممانعة"، منخرطة وراء التمترس الإيراني، محاولة للحصول على زخم سياسي وإعلامي في العالم العربي والإسلامي.

ومع ذلك، فقد كلفهم هذا الدور أثمانًا باهظة، سواء على الصعيد العسكري جراء الضربات الأمريكية والإسرائيلية أو على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في الداخل اليمني.
مع رغبة دولية واضحة في زيادة الحصار على الجماعة، وتجفيف منابع تمويلها المالية والتجارية وإمدادات السلاح.

 


ثانيًا: سيناريوهات ما بعد الحرب

1. التهدئة الإقليمية وعزل الحوثي سياسيًا:
 مع انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران، من المرجح أن تسعى طهران إلى تقليص نشاطات أذرعها لضمان تخفيف العقوبات، وتطبيع العلاقات مع بعض القوى الكبرى. وقد يدفع ذلك إيران إلى تقليص دعمها للحوثيين، أو على الأقل تقنينه. إما برغبة دولية لإنجاز اتفاق تسوية إيرانية غربية، أو كتكتيك إيراني للملمة صفوفها بعد خسائرها الداخلية والاستراتيجية جراء هذه الحرب.
  هذا سيترك الجماعة في موقف أكثر هشاشة وانعزالاً، خاصة في ظل عزلة سياسية دولية ومحلية واسعة.

 

2. عودة التركيز الدولي على الملف اليمني: 
سيتيح انتهاء الحرب الفرصة لإعادة ترتيب أولويات المجتمع الدولي، وقد يُعاد تسليط الضوء على ضرورة حل الأزمة اليمنية سياسيًا. في هذه الحالة، قد تُمارس ضغوط كبيرة على الحوثيين للانخراط في مفاوضات حقيقية. لكن بشروط مختلفة هذه المرة، إذ قد لا تطرح ذات شروط التسويات السابقة، بل تتعدل بما يتوازى مع تقليم قوة طهران العسكرية جراء هذه الحرب.
وإذا استمروا في التعنت والرفض، فإنهم قد يُصنفون بشكل أوسع كجماعة إرهابية ويفقدون أي محاولة للحصول على شرعية دولية محتملة، والانخراط في الحالة السياسية اليمنية.


3. تصعيد داخلي ضد الجماعة:
 تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرتهم، وتزايد الاحتقان الشعبي، قد يُفجّران حراكًا داخليًا ضد الجماعة، خاصة إذا ما توقفت المساعدات الإيرانية. هذا السيناريو يزداد احتمالًا إذا توافرت معارضة سياسية وميدانية مدعومة من الشرعية اليمنية. وإن كان هذا السيناريو مستبعداً نتيجة القبضة الأمنية والمجتمعية التي تحكم بها جماعة الحوثي السيطرة على الناس في المناطق التي تحكمها. بالإضافة لخوف الجماهير من العواقب الرهيبة التي ستواجه بها الجماعة أي تحركات شعبية، وشعور هذه الجماهير بافتقادها هذه لإسناد حقيقي من الشرعية. 


4. التحول إلى "حزب الله جديد": 
في حال قررت إيران الحفاظ على الحوثي كذراع استراتيجي دائم على غرار "حزب الله" في لبنان أو بديلاً له، فقد نشهد تعزيزًا لبنيته العسكرية والاستخباراتية والتمويلية، لكن بثمن مواجهة مفتوحة مع الغرب أوالتحالف العربي، وقد يدفع ذلك إلى حرب يمنية واسعة مجددًا.
إذ يمكن لإيران أن تستثمر خسائرها الداخلية في الحرب، بتحميل الحوثي ثقل المواجهة القادمة، والابتزاز من جديد في المنطقة، نظير موقع الجماعة الاستراتيجي بالقرب من باب المندب، والإطلالة على الممر التجاري في البحر الأحمر. وهو ما بدا من خلال إشارات طهران لإغلاق مضيق هرمز كخيار استراتيجي أثناء الحرب، وهو ما ينسحب على دور الحوثي مستقبلاً إزاء مضيق باب المندب.

 

ثالثًا: خيارات الشرعية اليمنية

يقع على عاتق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أن تستثمر ما بعد الحرب في:

1- تعزيز حضورها السياسي والدبلوماسي عالميًا، وإقناع المجتمع الدولي بخططها لاستعادة الدولة اليمنية، وضرورة دعمها، وإزالة القيود المفروضة على تحركاتها الاقتصادية لمحاصرة الجماعة، وحتى العسكرية لمواجهتها بشكل مباشر.

2- إعادة ترتيب الجيش والأمن لتوسيع نطاق السيطرة، وتنسيق الموقف العسكري، رغم تعدد اتجاهاته، وتأهيله بشكل عسكري متكامل للاستعداد للمواجهة في ضوء إمكانات جماعة الحوثي العسكرية، التي ظهرت عليها في الفترة الأخيرة. ومحاولة تأمين دفاعات جوية ووسائل تأمين للمنشآت الحكومية  والبنى التحتية، والمصالح الاقتصادية والحكومية. 

3- دعم التوجه الشعبي المناهض للحوثيين، وتنسيق المواقف الحزبية والجماهيرية والإعلامية، لتحشيد الجمهور لخيار استعادة الدولة.

4- تحسين الخدمات في المناطق التابعة للشرعية، ومكافحة الفساد والانفلات الأمني والوظيفي والإداري، والاستجابة السريعة لمطالب الناس، وإحداث معالجات ضرورية في الاقتصاد، وحماية العملة من الانهيار المتسارع، وتحسين الموارد قدر الإمكان.

5- محاولة حشد دعم اقتصادي لمواجهة الالتزامات الخدمية، وسد فجوة الاقتصاد الكبيرة التي كانت تعتمد على موارد النفط بعد إيقاف تصديره بسبب ضربات الحوثي على موانئ التصدير في حضرموت وغيرها.

6-  في حال الضغط الدولي على الحكومة الشرعية للانخراط في تسوية سياسية قادمة، ينبغي للحكومة تغيير شروط التسوية بما يتوازى مع الضعف الذي تحصلت عليه إيران جراء هذه الحرب، والتركيز على نزع السلاح من الجماعة، وفك الارتباط الخارجي مع طهران، والقبول بمسارات الدولة اليمنية وأطرها الدستورية والقانونية، والخيار الديمقراطي والمساواة، والتحول لحالة سياسية مدنية بعيدة عن التمايز العسكري والاقتصادي والفكري.

 
7- فتح قنوات تفاوض ذكية تضع الجماعة أمام خيارين: السلام المشروط بنزع السلاح وتسليم المؤسسات، أو العزلة التامة واستخدام خيارات الحرب.

 

 

خاتـــمة

إن مصير جماعة الحوثي بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية سيتوقف إلى حد كبير على مخرجات الاتفاق الإيراني مع الغرب، وتوازنات القوى في اليمن، وقدرة الشرعية على استعادة زمام المبادرة. 
إن انكفاء إيران سيُضعف الحوثيين، لكن غياب مشروع بديل قوي قد يمنحهم فرصة إعادة التموضع، واستمرار التهديد، وهذا يبقي الحسم مرهونًا بإرادة يمنية فاعلة ورؤية إقليمية حاسمة.

الهاشتاج
رابط الفيس بوك

حميع الحقوق محفوظة ل مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية ---- برمجة وتصميم ALRAJIHI