أ. فيصل جلول
الكاتب السياسي اللبناني
*هذه الورقة قُدمت في ندوة مركز يمن المستقبل للدراسات الاستراتيجية : (اليمن .. مآلات المستقبل ). بتاريخ ١٥/١٠/٢٠٢٣م.
في الواقع نحن نعيش لحظات ربما تاريخية متصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبالصراع العربي الاسرائيلي.
وفي هذا المعنى يمكن القول إن مصير هذا الصراع سينعكس علينا جميعاً، وسينعكس على أزماتنا أيضاً، وعلى العلاقات العربية العربية، فضلاً عن تأثير هذا الصراع على الإقليم برمته، وليس فقط حال اليمن منفردًا.
لكن تبقى لليمن خصوصيتها، وللصراع في اليمن خصوصيته.
كما نعلم ما حدث في اليمن هو استمرار بشكل أو بآخر لأزمات كان يعاني منها اليمن، وعدم استقرار في علاقاته العربية والخارجية. ثمة تحالفات كان اليمن قد عقدها مع أقطاب في العالم العربي تغيرت بتغير موازين القوى، وسيكون لها تأثير على مستقبل اليمن، كما كان لها تأثير في الصراعات اليمنية اليمنية.
وسأتناول هنا ثلاث نقاط أساسية حول مستقبل الدور العربي في رسم مستقبل اليمن؛ الدور الأول المفترض، وأنا أتحدث هنا عن فرضيات: الفرضية الأولى أن الحرب التي شنها التحالف العربي على اليمن وبصورة خاصة على أنصار الله وعلى المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس السابق علي الراحل علي عبدالله صالح قبل أن يتم اغتياله من طرف الحوثيين، هذا التحالف العربي رسم أفق للصراع والتدخل العربي في الأزمة اليمنية.
الأفق هو ماسماه المبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني، والفترة الانتقالية المزمنة إستنادًا إلى نتائج الحوار الوطني، والحرب قامت تحت هذا السقف. وكانت أبرز نتائج الحوار الوطني الأقاليم الستة، التي تمت الموافقة عليها من أغلبية الأطراف المشاركة في الحوار الوطني، لكن أنصار الله رفضوا الموافقه عليها، ويقال أن جزءاً آخر أيضاً رفض الموافقة، وهناك لغط حول موقف المؤتمر الشعبي العام، البعض كما لاحضت وبصورة خاصه الدكتور الإرياني رحمة الله عليه كان يقول بأن الموتمر وافق، وتيار آخر في المؤتمر كان يقول إن المؤتمر لن يوقع عليها، وإن التوقيع جزئي ولن يشمل الجميع، إذاً نحن إزاء لغط هنا.
لكن بعد الاصطفاف الذي تم بين الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وأنصار الله؛ تبين أن هناك موقف موحد من رفض مشروع الأقاليم الستة، وخطط الحرب في الواقع كانت من أجل فرض مشروع الأقاليم الستة، ومن أجل وضع حد لرفض أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام لهذا المشروع، الذي أُعتبر بنظر التحالف العربي، وبنظر أيضاً القوة الدولية، ونحن نعرف أن فرنسا كانت مكلفة بالإشراف على صياغة الدستور، وكانت بريطانيا لها دور أيضاً في هذا الاتفاق، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية مكلفة بالعمل مع الحكومة اليمنية لمكافحه الإرهاب.
إذن الاتفاق كان له بُعد عربي وبُعد دولي، وله بُعد إقليمي، فقد كان هناك أربعة عشر سفيراً دولياً كانوا مكلفين بالخروج بهذا الاتفاق، وبالتالي صار بالنسبة للذين وقعوا عليه وثيقه تعد هي الوحيدة المطلوبة لتغيير النظام في اليمن، والوحيدة التي يرضى عليها الإقليم، وترضى عنها المملكه العربية السعودية، وترضى عنها أيضاً الدول الغربية المشاركة في الإشراف على الحوار، وأيضاً كما ذكرت هناك دول مهمة كان سفراؤها يشاركون في هذه العملية؛ مثل تركيا وغيرها.
وهذه الفرضية تشير الى أن الذين استخرجوا هذه الاتفاقية كان عليهم أن يحاربوا من أجل أن تبقى، ومن أجل أن تكون هي مستقبل النظام المبني عليها، وأن يكون هذا هو مستقبل النظام في اليمن، حتى وصلنا في الحرب إلى ما تعرفون.
وهنا أدخل إلى الفرضية الثانية؛ وصلنا في الحرب كما تعرفون إلى ما يسمى ب"استاتيكو" أي وضع مستقر على الجبهات، وترسخ هذا الوضع المستقر على الجبهات بواسطة وقف إطلاق للنار، مازال هذا الوقف يعيش رغم أنه لايوجد تفاهم، أو لم يوقع التفاهم حوله، التفاهم قائم.
وهذا الاستاتيكو يفيد بأنه لايوجد حل عسكري للأزمة اليمنية، وأن الأطراف العربية التي شاركت في الحرب من أجل فرض مشروع الأقاليم الستة، ومن أجل تغيير النظام في اليمن، ومن أجل رسم علاقات مستقبلية لليمن مع الجوار العربي، ومع الجوار الإقليمي، هذا المشروع الحربي لم يؤدي إلى النتيجة التي كانت متوخاة، ونحن هنا أمام وضع عسكري لايشكل ولايساعد على تصور مستقبلي لليمن ممكن الدفاع عنه، أو حتى فرضه بالقوة، أو حتى بغير قوة، وهذا الوضع مؤقت، واستاتيكو مؤقت، والحل العسكري مستحيل.
إذن؛ نحن إزاء حالة في الفرضية الثانية، هي أن التدخل العربي باليمن ليس قادرًا على فرض هذا المعادلة، وبالتالي اليمنيين أنفسهم لديهم هناك مآسي ناجمة عن الحرب، هناك مآسي كبيرة، يكفي فقط ذكر مأساة واحدة، أطفال اليمن على سبيل المثال، هناك عشرات بل مئات الأطفال اليمنيين قتلوا، أو ماتوا من الجوع، أو تضرروا من الحرب، وهذا خطر على المستقبل، لأن اليمنيين كانوا يُعتبرون الأكثر فيما يشبه الثورة الديموغرافية في بلادهم، الآن صار الوضع الديموغرافي عبئ عليهم وعلى مستقبل بلادهم.
وبالتالي يحتاجون إلى ترميم ما نجم عن الحرب، يفترض أيضاً أن المشاكل الأخرى التي نجمت عن الحرب مثل تدمير البنية التحتية واليمنية بالقسم الأكبر من فروعها، هناك مدن يمنيه مازالت منقسمة مثل مدينة تعز مازالت منقسمة وتضرر أهلها من الطرفين، هناك أيضاً مخاطر عديدة في كل المناطق اليمنية.
فالأضرار ليست مقتصرة على منطقة دون أخرى، الأضرار تشمل كل المناطق، هناك بلدٌ الحرب دمرت أشياء كثيرة فيه، وألحقت أضراراً كبيرة به، وبالتالي؛ الحل العسكري لم يعد الحل.
ومنذ البداية كنت من القائلين أنه من الصعب فرض مشروع سياسي على اليمنيين بواسطة القوات العسكرية، سواء من هذا الطرف أو من الطرف الآخر.
واليمنيون بشكل خاص، عندما يأتي الحرب من الخارج؛ فاليمني لديه حساسية تجاه الخارج، حتى لو كان الخارج قريب وعربي وأخ وما شابه ذلك، لكن اليمنيين كما أعرفهم لديهم نزعة استقلالية، ونزعة اعتزاز بالنفس، فلا يقبلون أن يرغموا على فعل شيئ بواسطة القوة العسكرية أو القوات المسلحة.
نحن هنا أمام حالة؛ هذه الحالة بالفرضية الثانيه هي حالة استاتيكو لايمكن أن تستمر، إذن ماهو البديل لها؟ إذا كان الحل العسكري مستحيل، وقد أدى إلى ما أدى إليه، وما نعرفه اليوم، وأقصى ما حمله هو هدنة، إذن كيف يمكن للتدخل العربي، أو كيف يمكن للعرب أن يتدخلوا في اليمن من أجل طي صفحة الحرب، وفتح صفحة للتوافق اليمني اليمني، والخروج بمصالحة قد تشبه أو لاتشبه - لا أعرف فاليمنيون يحددوونه - قد تشبه المصالحة بين الملكيين والجمهوريين التي كانت أيضاً نتاج توافق عربي عربي حينها، وإن كنت لا أحب المقارنات، فالمقارنة لاتحمل حقيقة، ربما المقارنة تقرب، لكن لا تنطوي على حقيقة بحيث تعطيك نتائج ثابتة.
حصلت مصالحة بين اليمنيين والملكيين وعاشت هذه المصالحة لفترة طويلة، صحيح أن التيار الملكي أصيب بضربة في الحرب والسلام، ولم يتمكن من تحقيق أشياء كثيرة، والجمهورية هي التي انتصرت في تلك المصالحة، ونحن الآن في وضع قد يكون مشابهاً، لكنه مختلف إختلافاً جوهرياً، وهنا لابد من مصالحة، فهل هناك نية عربية لفرض هذه المصالحة ؟
وهنا أدخل بالفرضيه الثالثة؛
هناك رغبة عند المملكه العربية السعودية والتحالف العربي، وفي الواقع الطرف الأساسي والمحور المهم في هذا التحالف هو المملكه العربية السعودية، والاتفاق مع المملكة، أو الدور الذي تلعبه المملكة، يحدد الثقل الأبرز، وأنا شبه واثق من أن الإمارات العربية المتحدة لها دور في اليمن، لكن هذا الدور لايمكن أن يكون مخالف للتوجهات التي تريدها المملكة العربية السعودية، بالأخص إذا قالت السعودية إن هذا هو الحل فلن تخوض الإمارات العربية المتحدة حرباً من أجل رفض هذا الأمر.
إذن نحن إزاء حالة واضحة ويمكن البناء عليها، المملكة العربية السعودية تستطيع أن تلعب دوراً في هذا المستقبل المرتجى، ولا يمكن للإمارات أو لغيرها أن تعيد النظر بهذا الدور السعودي.
فهل السعودية راغبة بالوصول إلى حل في اليمن؟ أستندُ إلى المؤشرات، و يمكن الحكم على نوع المؤشر الأكبر عندما تمت المصالحة الإيرانية السعودية، وقد تمت بحماية صينية أو برعاية صينية، ولا أظن أن دولة كالصين حريصة جداً على سمعتها، وحريصة جداً على دورها، وخاصة دورها المقبل في منطقة طريق الحرير واليمن، وباب المندب بصورة خاصة له أهمية استراتيجية، لأن باب المندب المكان الوحيد الذي يطل على المحيط الهندي، ويطل على المكان الوحيد الذي يعتبر في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية هو المكان الاستراتيجي القادم الذي ستلعب فيه، فالولايات المتحدة الأمريكية رسمت لنفسها دوراً تلعبه في هذه المنطقة، وبالتالي فإن من هذا الدور مضيق باب المندب، وهو مدخل من مداخله الأساسية، ناهيك عن ارتباط باب المندب بقناة السويس، وبالتالي هذا الارتباط، هو ارتباط حاصل وحيوي يعطي اليمن أهمية استراتيجية في غاية الأهمية، كانت له، وهي اليوم له، وستكون غداً له.
وبالتالي؛ من المهم بالنسبة للمملكة العربية السعودية أن يكون الوضع الداخلي في اليمن متناسب مع ما تراه لمستقبل هذا البلد بارتباطه بمضيق باب المندب، وبخطوط المواصلات للنفط والغاز في هذه المنطقة، ناهيك عن الارتباط التاريخي بين اليمن والمملكه العربية السعودية.
هذا الارتباط الذي كان على الدوام حاسم بالنسبة للسعوديين.
ولنفترض أن هناك نظاماً شيوعياً في اليمن، هذا بالنسبة للمملكه العربية السعودية لايطاق، ونعرف الصراع الذي كان قائماً من قبل في جنوب اليمن الماركسي والمملكة العربية السعودية، وبالتالي بالنسبة للمملكة العربية السعودية أمر في غاية الأهمية.
وبما أن هذا الأمر كان ضمن المصالحة بين المملكة وإيران فهذا يعني أن هناك ظرف إقليمي، هذا الظرف الإقليمي يمكن أن يساعد على الحل ويمكن للمملكة العربية السعودية، ويمكن للدول التي لها علاقات مع اليمن، وتعمل تحت سقف السعودية، يمكن لها جميعاً أن تلعب دوراً في هذا المجلس، لكن أي نوع من الحل إذا كان الحل هو المطروح سابقًا، أي الأقاليم الستة قد فشلت الحرب في فرضه، فمن الصعب الحديث عن نفس المشروع في المفاوضات، فمالم تتمكن من فرضه بواسطة الحرب يصعب أن تفرضه بواسطة المفاوضات.
وهنا يطرح السؤال
إذا لم يكن مستقبل اليمن هو الأقاليم الستة، ماذا سيكون؟في الواقع هذا الأمر متعلق بأطراف عديدة، وبالأساس يفترض على المكونات السياسية اليمنية أن تطرح كل منها مشروعاً للحل، فمن يقول يفترض الرجوع إلى المبادرة الخليجية والحلول المزمنة وما شابه ذلك، يمكن أن يتمسك به، لكن عندما قبلت المملكة العربية السعودية، وقبلت كل الأطراف أن يوضع حد للحرب، خاصة أن المملكة تخوض الآن مفاوضات مع أنصار الله، فهذه المفاوضات لا يمكن أن تكون تحت سقف قرار الأمم المتحده الذي يطالب الحوثيين بتسليم سلاحهم !
الحل المطلوب يمكن أن يستند إلى أي مرجعية كما تحبون، لكن الحل المطلوب هو حل تفاوضي، ولا يمكن أن يكون هناك حل غير حل تفاوضي، وإلا إذا لم نرغب بحل تفاوضي فسنعود إلى الحرب، والحرب ليست حلاً كما تبين، وطرح الحل أيضاً بدولة إتحادية من إقليمين، وطرحت حلول لدوله إتحادية من ثلاثة أقاليم، وشيئ من هذا القبيل، نعم طرحت حلول، ولكن لم يتم التداول بها بعد، ونحن في منطقة مهمة الآن بالنسبة لمستقبل هذه الأزمة على الصعيد الإقليمي، لأن هناك مصالحة إقليمية، وهذه المصالحة الإقليمية يمكن الإفادة منها لإيجاد حل.
ويمكن أيضاً لدينا راعي إقليمي، لدينا طرف دولي كبير قادم إقتصادياً؛ هناك حوالي ٣ تريليونات دولار يأتي بها طريق الحرير، ستغرق المنطقة بالذين يستفيدون منها، وستكون المستفيدة دول عديدة، لكن الدول غير المستقرة لن تستفيد بالتأكيد !