19 ديسمبر 2023 تحميل ملف pdf
مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية
مركز المستقبل اليمني للدراسات الإستراتيجية

 

 

د.هشام الصرمي

 

أستاذ الاقتصاد المساعد في المعهد الوطني للعلوم الإدارية

 

ديسمبر 2023

 

 

 

إن مسار التعافي الاقتصادي اليمني لابد أن يخضع لأولويات عاجلة على المستوى الكلي ومستوى القطاعات

 

 الأولوية الأولى

 

يجب أن تكون استعاده الاستقرار في الاقتصاد على مستوى أرقام الإيرادات والتي يمكن للمواطن من خلالها أن يلمس بداية للتعافي الاقتصادي. ولكي لا نتحدث عن ما قبل 2015 أو لا نتحدث عن أرقام مأمولة ، إنما عن أرقام حقيقية وستأتي بالفعل في ظل السعي إلى تقليص مستوى الفساد، ولا نقول إنهاء الفساد لأنه لن ينتهي ولكن لو وجدت فعلاً الإيرادات. وإن نظرنا إلى التجارب الاقتصادية كلها على مستوى العالم فإن أول نهوض لها في ال percentage يعني من 25 إلى 30 في المائة وهي النسبة التي تكون في بداية فترات النهوض و تعتمد بشكل أساسي على تقليص مستوى الفساد وهنا نقطة البداية في التعافي.

 

ولو استمرت كنا وصلنا خلال سنوات الحرب إلى تصدير 115 ألف برميل نفط يومياً هذا الرقم يعني وصول الإيردات السنوية إلى ما يقترب من مليار و700و20 مليون دولار، والتي كانت موجودة بالفعل سابقاً ومكنت اليمن من تجاوز أزمه الرهن العقاري في 2008 و 2009 حيث بدأ إنتاج الغاز أيضاً في 2009 وكانت تشكل العمود أو الركن الأساسي الأول للاقتصاد اليمني.

 

ولو كان ارتفاع مستوى الإيرادات إلى 115 ألف برميل نفط يومياً استمر، كان سيعني تقلص الفارق بين طبعتي الريال بين صنعاء وعدن، والتي كانت ستفقد صنعاء والحوثيين و بشكل حتمي مكسباً لطالما عززوه خلال سنوات الحرب، وسيعطي أفضلية ووفرة في الدخل لحكومة الشرعية. وقد تقدمت بمصفوفه لرئاسة الجمهورية مع الدكتور سامي قاسم عند تأسيس المجلس الرئاسي، تكونت أو غطت 4 قطاعات أساسية والتي لم تكن ستكلف الموازنه العامة للدولة دولاراً واحداً، إذ بنيت على تعهدات المانحين منذ عام 2003 حتى 2014 والتي لو تم تعزيزها ومتابعتها، لوجدنا أن حوالي 65 إلى 70 في المائة من هذه المشاريع التي أعلن عنها والتي لم نلمس أي بداية لتنفيذها حتى يومنا هذا، والتي لوكانت نفذت لكنها بقيت ضمن قائمة التعهدات والبرامج ، هذا فيما يخص مسار التعافي الاقتصادي على المستوى الكلي. إذن الأولوية الأولى كما وضحنا استعاده هيكلية الدولة وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والنقدي.

 

الأولوية الثانية

 

  تلبية الاحتياجات الإنسانيه للفئات المتضررة ، إذ لطالما عملت المنظمات من خلال المساعدات الإقليمية والدولية سواء كانت آتية من الدول الصديقه أو الشقيقة والمانحه، عن طريق الإنفاق الاستهلاكي، وكنا نحتاج أن يتم العمل على المشاريع المستدامه وتحقيق التنمية الدائمة. إذ تم إنفاق ما لا يقل عن 27 مليار دولار في هذا الاطار وذهب جلّه في الإنفاق الاستهلاكي، بينما هناك تجارب ناجحة لا يستهان بها على مستوى العالم على سبيل المثال، تجربة الصندوق الاجتماعي للتنميه التي تم تعميمها من قبل البنك الدولي وهي النقد مقابل العمل. تلك التجارب كان يجب أن يحتذى بها من خلال المشاريع الدائمة وجعل شريحة المشاركين فيها عريضه، والخروج من خطة الاستجابة الطارئة إلى خطة التنمية المستدامة.

 

الأولوية الثالثة

 

  استعادة توفير الخدمات وسنتحدث عنها لاحقاً في القطاعات التي هي الكهرباء والمياه وغيرها، وبالتالي استعادة الاستقرار والتعافي والنمو الاقتصادي الكلي وإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة من الحرب، وهذا البند يحتمل الكثير من النقاش والتخطيط له مغيب ولم يحسب له حساب. وإن عدم وجود الخطط الاستراتيجية لإعادة الإعمار سيزيد من نسب الفساد، وكل من يعيش في الداخل اليمني لديه علم بكمية السجلات التي تم فتحها وتحديداً خلال السنوات الثلاث الأخيرة لاستقطاب الأموال القادمة من الدول المانحة شقيقة أو صديقة وهذا أحد طرق في الفساد.

 

ومن جانب آخر فإن وجود الكتلة السكانية الأكبر في المناطق الخاضعة يزيد من الاستهلاك لصمود الاقتصاد الخاص، أو إن الاقتصاد الموازي للحوثيين خنق الاقتصاد الخاص بشكل كبير ولم يلق القطاع الخاص أي عون من الحكومه الشرعية، وهنا علينا الإدراك أن الحرب الاقتصادية لا تقل أهميه عن الحرب العسكرية وبدلاً من دعمه وتعزيزه فهو يستنزف بشكل يومي بما يقدر بملايين الدولارات. وعلى سبيل المثال إن عدن لوحدها كمدينه وليس كمحافظه يقدر المبلغ الذي يخرج منها يومياً ب 2 مليون دولار، هذا الاستنزاف اليومي مقابل الخضار والقات وقطع الغيار وما شابه والأرقام مهولة بسبب الفارق ما بين طبعتي الريال في عدن وصنعاء وصحيح أن هناك فارق وهمي ولكن هذا ليس كل شيء. إذا أردنا أن نضع أيدينا على المشكلة الأساسية يجب أن نكون واقعيين فهناك هامش قد يكون حقيقي أوهو حقيقي بالفعل ونسبته لا تقل عن 30 أو 35 في المائة من سبب التدهور في الاقتصاد، وهو الفارق الناتج عن حوالات المغتربين التي تصل مناطق الخضوع بسبب تواجد الكتلة السكانيه الأكبر إذ لا تقل عن 70 في المائة من سكان اليمن الحاليين، وتشكل حوالات المغتربين اليوم العمود الأساسي في الاقتصاد بعد توقف صادرات النفط والغاز. وإذا تحدثنا عن 4 مليار دولار مقيدة بشكل رسمي في الموازنه العامة للدولة، فإننا نتحدث عن ضعفها تأتي عبر قنوات غير رسمية، وعندما كانت حوالات المغتربين قبل 2015 تدخل إلى البنك المركزي كان هناك استقرار ووفرة في الاقتصاد. والمبالغ الكبيرة التي تحول إلى الوطن لشراء أراضي أو لإفتتاح مشاريع صغيرة أو أصغر ومتناهية الصغر أو بناء مباني وغيره، لا تحول الآن بشكل رسمي وبالتالي نجزم بأنه كان هناك ضعف المبلغ الذي يحول بشكل رسمي وهو ما ساعد على بقاء الاقتصاد متعافياً نوعاً ما قبل الحرب .

 

وإذا ما نظرنا إلى تجارب في دول مجاورة لنا في ظل الاستقرار وعدم وجود حرب فيها، نجد أن هناك تدهوراً في القوة الشرائية للعملات المحلية تتجاوز الوضع اليمني بأضعاف مضاعفة، لأن المغترب اليمني له دور كبيرفي الاقتصاد إلى درجة أنه يعد صمام الأمان. وإذا تحدثنا عن ما يليها في الأولوية فستكون إعاده الإعمار والتعافي الاقتصادي فيما يختص بالحديث على مستوى القطاعات وهي المرحلة الثانية في مسار التعافي. وأولاً فيما يخص قطاع الكهرباء والطاقة وهو مايعد ثقب أسود في قلب الاقتصاد ، إذ يتم دفع مليار ومائة مليون دولار مقابل مازوت وديزل ومحطات طاقة مشتراة وهو مايعد جريمة، وهذا القطاع يحتاج إلى دراسات جدوى وإذا أردنا أن نصل فيه إلى مرحلة من التعافي فنحن نتحدث عن 4 إلى 5 سنوات لإستعادة تشافي هذا القطاع وبشرط وجود الإرادة لذلك. وكيف يمكن التحدث عن التعافي الاقتصادي في حال أنه لا يوجد تخطيط أصلاً لذلك، فهل نستطيع أن نبحث عن طرق استعاده الأموال التي خرجت من البلد؟ وهل نستطيع أن نفكر في كيفية جذب رؤوس أموال محلية وأجنبيه أو أن نحضر المغترب اليمني من الخارج ليستثمر دون أن نوفر له البنى التحتية؟.

 

 لذلك فإن قطاع الكهرباء هو من أول القطاعات التي تهم المواطن والاستثمار، يليه مباشرة قطاع الطرق والنقل الذي يحتاج إلى تكاليف عالية بسبب أنها تهدمت خلال فترة الحرب. 

 

ويليهم قطاع الاسكان وهنا المأساة فمن أين نبدأ وأين ننتهي، إذ إن قطاع الإسكان في ظل 9 سنوات حرب أصبح في وضع مؤسف ونأمل أن يكون هناك نوع من التخطيط من الجهات المعنيه فيما يخص هذا الأمر.

 

واذا ما أتينا إلى قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات فنحن نتحدث عن أكثر من مليار دولار يجنيها الحوثيون سنوياً في صنعاء من خلاله، وعلى مدى 9 سنوات لم نجد إلا محاولات من الشرعية أتت على استحياء عاد الانترنت خلالها وما شابه ذلك في قطاع الاتصالات، وعلينا أن نقول ان قطاع الاتصالات والانترنت ركن أساسي للتعافي ويستحق الاستعاده وإذا لم نستطع استعاده الأركان الأساسية للاقتصاد فكيف سنأتي بالتعافي؟.

 

وقد يكون الحديث عن خارطة السلام في ظل الضعف الكبير غير مجدي فلا سلام من دون قوة، والحديث عن السلام بدونها حديث هزيل وغير واقعي.

 

يليه قطاع المياه والبيئة والصرف الصحي وهذا يدخل أيضاً في إطار استعاده الخدمات السابقة وأيضا يدخل في إعادة الإعمار.

 

ثم الحديث عن قطاع الشباب ودوره في التنمية، وإذا ما استطعنا تحقيق النقاط السابقه، فإن الشباب وهم اليوم يحملون أرواحهم على أكفهم ويذهبون للالتحاق بالتشكيلات العسكرية على الجبهات من أجل الراتب، سواء كان 120 ألف أو كان ألف ريال سعودي بغض النظرعن تحديد الجهات التي تدفع، عوضاً عن المساهمة في التنمية. وإذا تحدثنا عن التعافي الاقتصادي فيه يعني نتحدث عن توفير فرص عمل، وتوفير فرص عمل يعني استيعاب الشباب، واستيعاب الشباب يعني تخفيض النفقات على الدولة من خلال تخفيض الوجود العسكري بتوفير فرص عمل. ومن يريد أن يدوام في القطاع الخاص في ظل توافر قطاع مدني يفي بالاحتياجات ستتغيرالنظرة وسيتغير الاتجاه، وإذا ما اتجهت الدولة في ظل التعافي إلى موضوع التدريب والتأهيل واستيعاب الشباب في ظل القطاع الخاص ودعمه فسيكون لهذا جانب كبير في التعافي.

 

ثم يليه قطاع المرأة، وهنا نتحدث عن أن اليمن يأخذ نصف الجهد الذي يمكن للمرأة أن تبذله خلال ما عاشرناه من حياتنا فيما قبل الحرب وما بعد الحرب، وبالتالي يجب أن يكون هناك تخطيط عالي لاستيعاب قدراً أكبر من الجهد والطاقه في هذا القطاع.

 

ثم القطاع الذي يليه قطاع الحكم المحلي ونظام الأقاليم والذي يجب أن يكون في ظل التعافي السلام المنشود والسلام المنشود سيكون له شروط، إذاً السلام المفخخ يعني مأساة أكبر ونرجو ونأمل ألا نصل إلى سلام مفخخ.

رابط الفيس بوك

حميع الحقوق محفوظة ل مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية ---- برمجة وتصميم ALRAJIHI