التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.. تقييم استراتيجي للأهداف، الأبعاد، والتكتيكات
*عميد ركن/ ياسر صالح
رئيس وحدة الأمن والدفاع والمخاطر بالمركز
المقدمة
شهد البحر الأحمر في مطلع يوليو 2025 تصعيدًا عسكريًا خطيرًا من قبل جماعة الحوثي المصنّفة كمنظمة إرهابية، تمثّل في عمليّات قرصنة واحتجاز سفن تجارية واستهدافها بتكتيك عسكري مركّب، في تصعيدٍ يعكس تحوّلًا نوعيًا في أدوات الحوثيين وتكاملهم مع الاستراتيجية الإيرانية الأوسع في المنطقة، لاسيّما بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة. ويأتي هذا التصعيد في وقت حرج محليًا وإقليميًا ودوليًا، ما يستدعي قراءة دقيقة للأهداف والدوافع، وتحليل التكتيكات المستخدمة، وتقييم المآلات المحتملة.
أولًا: العمليات البحرية الحوثية (6–8 يوليو 2025)
1. تفاصيل العمليات
6 يوليو: استهداف سفينة MAGIC SEAS المحمّلة بـ35 ألف طن من البضائع، منها 17,000 طن من نترات الأمونيا، ترفع علم ليبيريا وتملكها شركة يونانية. تمت العملية على مرحلتين: الأولى بعد مغادرتها مضيق باب المندب، والثانية على بعد 61 كم جنوب غرب الحديدة.
7 يوليو: استهداف سفينة INTERNITY C، ترفع علم ليبيريا وتملكها شركة يونانية، على مسافة 51 ميلًا جنوب غرب الحديدة.
8 يوليو: تنفيذ عملية تفخيخ وتفجير السفينتين بعد اقتحامهما، ما أدى إلى غرقهما، وسط غياب تام لأي تدخل من القوات الدولية المنتشرة في البحر الأحمر.
ثانيًا: قراءة في السياق الاستراتيجي
أ. السياق المحلي
تأتي هذه العمليات في وقت تشهد فيه جماعة الحوثي اضطرابات داخلية متصاعدة، أبرزها:
اغتيال الشيخ صالح حنتوس، مدير مدرسة لتحفيظ القرآن، مما أثار موجة غضب شعبي.
حملات اعتقال لأكاديميين في محافظة إب.
تراكم السخط الشعبي نتيجة التدهور المعيشي والقمع الأمني.
هذا الواقع دفع الجماعة لمحاولة "تصدير الأزمة" عبر خلق حالة من الزخم السياسي والإعلامي الخارجي، تحت ذريعة دعم غزة أو مواجهة "العدوان الصهيوني-الأمريكي"، بهدف امتصاص الضغط الداخلي.
ترى الجماعة بتصدرها القيادة الفعلية للاذرع الايرانية بعد هزيمة حزب الله في لبنان وخروج سوريا من حسابات ايران وان الفرصة سانحة لتصدر المشهد واثبات احقيتها بذلك من خلال استمرار عملياتها في البحر الاحمر وتاثيرها كرقم صعب في معادلة الردع الايرانية بتوجيهات طهران لاثبات نفوذها الجيوسياسي وهيمنتها على الامن البحري والمضايق المائية في المنطقة.
ب. السياق الإقليمي والدولي
1. ما بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية (يونيو 2025)
أظهرت حرب ال 12 يومًا هشاشة "الردع الإيراني"، بعد استهداف منشآت نووية إيرانية حساسة، ومقتل قيادات من الصف الأول. وقد بدا جليًا أن:
محور المقاومة فقد كثيرًا من تماسكه، مع تراجع حزب الله اللبناني، وتحييد المليشيات العراقية، وفصل الهلال الشيعي بخروج سوريا الحلقة الذهبية التي كانت تربط اطراف المحور.
الحوثيون اصبحوا السلاح الاستراتيجي المتبقي لإيران، مما دفع طهران إلى دعمهم بشكل مكثف كمصدر قوة بديلة.مستغلة الاهمية الجيوبولتيك لليمن وتاثيرها على التجارة الدولية
2. توظيف الحوثيين كأداة تفاوض إيرانية.
مع اقتراب الجولة الجديدة من مفاوضات إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، تسعى طهران إلى:
إثبات فعالية أذرعها كعنصر قوة تفاوضي.حيث تزامنت العمليات في البحر الاحمر مع تصعيد خطاب حزب الله على لسان نعيم قاسم
توسيع مجال المناورة الدبلوماسية من خلال إشعال جبهة بحرية تربك الخصوم، وتشغلهم عن الداخل الإيراني.
تشتيت الجهد الاستخباراتي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عن الداخل الايراني وجرهم الى عمل عسكري استنزافي في اليمن على غرار الضربات الجوية الأمريكية في مارس الماضي حتى تتمكن القيادات الايرانية من التحرك واعادة ترتيب اولوياتهم خصوصا في البرنامج النووي ومعالجة اضرار الحرب
الحرب عند ايران اصبحت تمثل حلا لا مشكلة الحفاظ على واس النظام ومواجهة استئناف العقوبات الدولية بالية الزناد وكذلك بدء إسرائيل بعملية اثارة الاضطرابات الداخلية وتصفية اذرعها الاقليمية وصعوبة قبول مفاوضات غير متكافأة مع واشنطن تفرض فيها شروط المنتصر على ايران والاهم من ذلك كله ان الحرب هي فرصة النظام للسيطرة على الوضع الداخلي المترهل ومحاولة استعادة التاثير على المستوى الإقليمي قد تشارك فيها الاذرع في اليمن والعراق ولبنان في هذه الموجة من الحرب ان حدثت، ومن الصعوبة على نظام مهزوم ومتخبط ويواجه تفكك داخلي وازمات مستشرية ان يحقق اي نتائج ايجابية في حرب قادمة محسومة النتائج ان عادت.
3. فشل الردع الدولي
فشل التحرك الدولي لمواجهة التهديد الحوثي في البحر الاحمر خدمة للاجندة الايرانية التوسعية في المنطقة سواء تحالف حارس الازدهار باستراتيجية الدفاعية او الضربات الاستباقية التي تمت في عام 2024 وكذلك مهمة اسبيدس الاوربية باستراتيجية الدفاعية البحتة لصد هجمات الجماعة دون الرد على مصدر النيران او التهديد في البر اليمني ومازالت ردة الفعل الدولية لا تتناسب مع حجم التهديد الذي تمثله الهجمات الحوثية على حرية الملاحة علاوة على تباين الراي لدى اصحاب المصالح الحيويه في المنطقه خصوصا روسيا والصين التى قد تبارك استنزاف القوى الغربية في ظل عدم استهداف مصالحهم من الجماعة
قوات "مهمة Aspides الأوروبية"، التي بدأت مهامها في فبراير 2024، لم تتدخل رغم امتداد العملية لـ48 ساعة.ورغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية لصالحها علما ان الاستهداف الصاروخي والطيران المسير والاشتباك المباشر بالاسلحة الرشاشة والمقذوفات الموجهة من القوارب الماهولة للحوثين لم تتمكن من اغراق السفينتين بل تفخيخها بالعبوات الناسفة بعد الصعود والاستياء عليها بمعنى ان مهمة اسبيدس لو تدخلت بمقاتلة هليوكبتر واحدة لما تم اغراق المليشيات الحوثية المهاجمة.
الولايات المتحدة، التي قادت تحالف "حارس الازدهار"، اكتفت بـالإدانة دون تحرك، في ظل التزامها باتفاق مايو 2025 مع الحوثيين بشأن الملاحة، الذي خرقته الجماعة دون تبعات فورية.
ثالثًا: التحليل التكتيكي للعمليات
العمليات الحوثية الأخيرة تميزت بتكتيك مركّب يختلف عن الهجمات السابقة:
المرحلة الأولى: اشتباك مباشر بزوارق مسلحة مزوّدة بأسلحة رشاشة ومقذوفات مضادة للدروع.
المرحلة الثانية: استخدام زوارق مفخخة مُسيّرة عن بُعد.
المرحلة الثالثة: ضربات صاروخية أرض-بحر باستخدام منظومات إيرانية.
المرحلة الرابعة: هجمات بالطيران المسيّر، واقتحام السفن وتفخيخها قبل تفجيرها.
هذا التكامل بين الوسائط القتالية يدل على:
وجود غرفة عمليات موحدة تدير العمليات بمستوى عالٍ من التنسيق.
إشراف إيراني مباشر، حيث تم تنفيذ مناورات مشابهة في نوفمبر 2024 بين الحوثيين وجماعات إفريقية مرتبطة بالحرس الثوري.
رابعًا: الدلالات الاستراتيجية
1. تحوّل اليمن إلى قاعدة متقدمة لإيران في البحر الاحمر وبحر العرب والقرن الإفريقي، عبر الحوثيين الذين باتوا يمثلون:
أداة للردع البحري
قناة لإطالة الذراع الإيرانية الجيو-عسكرية لمسافة تتجاوز 3000 كم كعمق امن قومي لايران
2. الفراغ الدولي في البحر الأحمر، رغم كثافة التواجد العسكري، ساهم في إنجاح هذه العمليات، مما يفتح الباب لتكرارها وتهديد ممرات التجارة الدولية.
3. ترسيخ اليمن كملاذ آمن استراتيجي للقيادات الإيرانية، بعد انكشاف إيران في الداخل، واستهداف كوادرها النووية والعسكرية خلال الحرب الأخيرة.
خامسًا: المآلات المحتملة
1. تكرار عمليات الاستهداف البحري بوتيرة متصاعدة، بهدف فرض واقع جديد في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لزعزعة الاستقرار للتجارة الدولية واثرها على الامن والسلم الاقليمي والدولي
2. تعزيز الدعم الإيراني للحوثيين ماليًا وتقنيًا، على حساب بقية الأذرع الإقليمية المنهارة ودعم الجمعيات الشيعية في المنطقة.
3. ازدياد هشاشة الأمن البحري العالمي، وسط غياب آلية ردع جماعية فعّالة.
4. احتمالية استخدام اليمن كمنصة عمليات استراتيجية في حال اندلاع مواجهة شاملة جديدة بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة.
سادسًا: التوصيات الاستراتيجية
1. التعامل الحوثيين كتهديد أمني دولي وليس مجرد "أزمة يمنية".
2. التحول من الدفاع إلى الردع الشامل، عبر تحالف دولي مشترك يشمل ضربات مركّبة جو-بر-بحر بالشراكة مع القوات المسلحة اليمنية لاستعادة السيطرة على كامل التراب الوطني وفرض الامن والاستقرار وحرمان الجماعة من الارض التي تناور عليها وتوجه عملياتها الارهابية
3. دعم الحكومة اليمنية ورفع قدراتها العسكرية، لكسر التمركز الحوثي ومنع تحويل اليمن إلى متنفسا استراتيجيا لايران وملاذا امنا للحرس الثوري الإيراني ونفوذه في اليمن والقرن الافريقي الذي يدار من اليمن وذراعهم الحوثيين واستخدام اليمن كمنصة تهديد وتصعيد في البحر الاحمر وباب المندب كلما ارادت ذلك ايران
4. إعادة تعريف دور القوات الدولية في البحر الأحمر، وربط عملها بأهداف تدخل مباشر لحماية السفن وليس فقط المراقبةوتفعيل الية مشتركة مع الحكومة اليمنية بما يخدم المصلحة الوطنية والامن والسلم الدوليين
5. بلورة استراتيجية إقليمية شاملة، تدمج اليمن في منظومة الأمن القومي العربي والقرن الإفريقي.
6- منع وصول السفن الى الموانئ التي تسيطر عليها الجماعه الحوثية لمنع وصول القدرات العسكرية التي تستخدمها الجماعة في عملياتها الارهابية واستخدام عائداتها المالية في تمويل الجماعة والعمل على استراتيجية شاملة لمكافحة التهريب والرقابة على السواحل اليمنية بالشراكة بين الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي والحلفاء.
الخاتمة
تؤكد التطورات الأخيرة أن اليمن لم تعد مجرد ساحة حرب داخلية أو ساحة نفوذ إيراني تقليدي، بل تحوّلت إلى مركز عمليات استراتيجي متقدم يهدد الأمن البحري العالمي، ويمنح إيران أداة مساومة غير متوازنة في ملفها النووي. لقد بات التصدي للحوثيين ضرورة أمن قومي، لا لليمن فحسب، بل للمنطقة والعالم أجمع. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر استراتيجية متعددة المسارات تُعيد التوازن وتمنع الانزلاق نحو فوضى بحرية كبرى وذلك بددعم الحكومة اليمنية استعادة وفرض سيطرتها على كافة الأراضي اليمنية وانهاء التمرد الحوثي وينتهي بذلك التهديد في طرق الملاحة الدولية وعودة الامن والاستقرار لليمن والمنطقة.