16 أغسطس 2025 تحميل ملف pdf
مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية

اجراءات البنك المركزي اليمني الأخيرة..
المعالجات والأثر الاقتصادي.. وكيفية الصمود ؟


* وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز 


مقدّمة: 
يشهد الاقتصاد اليمني ضغوطًا مركّبة أهمها : تراجع الإيرادات العامة، انقسام المنظومة النقدية، تقلبات حادة في سوق الصرف، وارتفاع العجز. 
وخلال الفترة 2024–2025 اتخذ البنك المركزي في عدن (CBY–Aden) حزمة إجراءات نقدية ورقابية استهدفت كبح المضاربات، وامتصاص السيولة الفائضة، وتحسين انتقال السياسة النقدية، مع تحركات مصاحبة لتحديث 
أنظمة الدفع.

١- أبرز المعالجات المالية الأخيرة: 

أ. تشديد الرقابة على سوق الصرافة
• قرارات متتالية بإيقاف وسحب تراخيص منشآت صرافة مخالِفة وإغلاق مقراتها، وتكثيف النزول الميداني. (قرارات 15، 20، 21، 22، 23 في أغسطس 2025 نموذجًا).
الهدف : تقليص قنوات المضاربة وضبط الامتثال. 
ب. تفعيل أدوات السياسة النقدية وامتصاص السيولة
• استمرار مزادات بيع النقد الأجنبي الأسبوعية (منذ 2021) لتغطية مدفوعات أساسية وكبح تقلبات الصرف.
• توسيع أدوات الدين المحلي لامتصاص سيولة الريال، مع خصم/عوائد مرتفعة نسبيًا. في يونيو 2024 طُرِحت مزادات أذون عامّة بخصم 18% تقريبًا، واستمر الامتصاص خلال 2025؛ بنهاية مارس 2025 امتصّ المركزي نحو 2.94 تريليون ريال (66.5% من القاعدة النقدية). كما ثبّت الحد الأدنى المرجعي على الودائع بالريال عند 15% في التقارير. 
ج. إدارة سوق الصرف وتقليص المضاربة
• مع تشديد الرقابة وتفعيل الأدوات، سجّل السوق تحسّنًا ملحوظًا بسعر الصرف في أغسطس 2025 (نطاق 1620–1633 ريال/دولار وفق تغطيات محلية)، مع نسب استقرار أفضل مقارنة بأشهر سابقة شديدة التقلب. 
د. تحديث البنية المالية وأنظمة الدفع
• المضي في رقمنة المدفوعات، وتطوير أنظمة الدفع بدعم دولي لتعزيز السلامة والكفاءة والشمول المالي. كما أُشير إلى وقف طباعة عملة جديدة وتشديد الرقابة كجزء من باقة الاستقرار. 
هـ. سياق مخاطر خارجي/ قانوني
• البيئة الإقليمية والعقوبات على مؤسسات مالية في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة تزيد تشظّي القطاع المصرفي وتضغط على مسارات الاستقرار. 


٢-  قراءات أولية للتأثيرات (حتى أغسطس 2025)
إيجابيات ملموسة:
• تهدئة المضاربة عبر إغلاق قنوات مخالِفة وتشديد الامتثال المصرفي، مما خفّض ذبذبة السوق ودعم الثقة بالاقتصاد والحكومة. 
• تحسّن جيد لسعر الصرف واستقراره في أغسطس 2025 مقارنة بذروات سابقة؛ وهو مؤشر مبكّر على استعادة الانضباط. 
• امتصاص للسيولة بالريال عبر أدوات الدين والمزادات، ما يخفّف ضغط الطلب على العملات الأجنبية ويرفع فعالية أدوات السياسة النقدية. 
• تحسين قنوات الدفع يحدّ من فجوات التسوية النقدية ويعزّز الشمول المالي. 
تحدّيات باقية:
• عجز مالي كبير للحكومة المركزية واستمرار تراكم الدين العام الداخلي مع محدودية الإيرادات. وعدم القدرة على تصدير النفط وغيره.
• تشظّي المنظومة المصرفية بين مناطق النفوذ وتداعيات جيوسياسية/قانونية تزيد كلفة الامتثال وتُضعف انتقال السياسة النقدية. 
• حساسية الاستقرار لصدَمات خارجية (في تقلبات التجارة الدولية، التحويلات، أمن الملاحة، أسعار الوقود). 


٣- سيناريوهات التأثير المستقبلي (قصير– متوسط الأجل)
سيناريو مُحافظ (مرجّح): استمرار الرقابة والمزادات مع ضبط مالي تدريجي → يبقى سعر الصرف ضمن نطاق متذبذب لكن أضيق، مع تراجع هوامش المضاربة وتحسّن ثقة المودعين بالريال. 
شرطه: عدم اتساع العجز ودوام الانضباط في سوق الصرافة. 
سيناريو مُحسَّن: توسيع أدوات الدين المنظّمة، تحسّن تدفقات خارجية (منح/دعم)، وتقدّم في الرقمنة والامتثال → انخفاض أعمق في التقلب وزيادة الادخار بالريال وتراجع الدولرة الجزئية. 
سيناريو ضاغط (مخاطر): اتساع العجز أو صدمات جيوسياسية/لوجستية أو تراخٍ رقابي → ارتداد في سعر الصرف وعودة قنوات مضاربة بديلة. 


٤- كيف نحافظ على الإنجازات ونُعزّز الاقتصاد؟
أولًا: استدامة السياسة النقدية والانضباط الرقابي
1) واستمرارية حملة الامتثال المصرفي: استكمال هيكلة قطاع الصرافة (سقف فروع، ملاءة، نظام شكاوى، التزام KYC/AML/CFT)، ونشر قوائم دورية بالمرخّصين/الموقوفين. 
2) تعميق سوق أدوات الدين المحلي: جدول مزادات منتظم وشفّاف لأذون/سندات متعددة الآجال، وإتاحة المشاركة للبنوك وشركات الاستثمار مع نشر نتائج تفصيلية، للحفاظ على امتصاص السيولة بأقل كلفة ممكنة. 
3) ترشيد مزادات العملة: ربطها أولًا بفاتورة السلع الأساسية/المهمات الحكومية، وتقييم أحجام المزاد وفق رصيد الاحتياطيات وتدفّقات النقد الأجنبي، مع توحيد قواعد المشاركة وتنافسية الأسعار. 
4) تشغيل سوق ما بين البنوك (Interbank) بالريال لإدارة السيولة اليومية، ثم توسيعه لعمليات مبادلة قصيرة الأجل، ما يحسّن انتقال أسعار الفائدة. (استدلال من اتجاهات الامتصاص وهدف الاستقرار). 
5)  سياسة فائدة متسقة: الحفاظ على عوائد جاذبة على الودائع/الأدوات بالريال لردع الدولرة، مع مراجعة دورية لتفادي كلفة خدمة دين مبالغ فيها. (التقارير تُظهر مرجع 15% وإمكان تعديل أدوات أخرى بحسب الحاجة). 
ثانيًا: إصلاحات مالية تُخفّف الضغط على السياسة النقدية

6) برنامج ضبط مالي واقعي: أولويات صرف صارمة، وقف تراكم المتأخرات، وتوسيع الإيرادات غير النفطية (جمارك/ضرائب رقمية)، وتحسين التحصيل في المنافذ. العجز المرتفع يتطلب مسارًا نزوليًا واضحًا. 
7) استعادة موارد خارجية: خطوط ائتمان للوقود والقمح، منح مشروطة بالشفافية، وتحسين امتثال المدفوعات لتخفيف مخاطر التعامل الخارجي. 
ثالثًا: تحديث البنية المالية والتحوّل الرقمي
8) تسريع رقمنة المدفوعات (حكومي/خاص): رواتب، جبايات، وفواتير عبر محافظ ومنصات مرخّصة ومترابطة، مع معايير أمن سيبراني ومقاصة فورية تدريجيًا—يرفع الشمول ويقلّل التداول النقدي خارج النظام. 
9) حوكمة البيانات والإفصاح: نشر تقارير دورية مُحَدَّثة (سوق الصرف، مزادات، دين محلي، كُتَل نقدية) ببوابة بيانات مفتوحة لرفع ثقة المتعاملين. 
رابعًا: حماية الاستقرار ومنع الانهيار 
10) مصدّ استقرار (Buffer): بناء احتياطي وقائي بالنقد الأجنبي من المنح/التحويلات، وتفعيل أدوات تحوّط لمستوردي السلع الأساسية عبر آليات مزادات/تخصيصات محددة. 
11) حماية تحويلات المغتربين: تسهيلات عبر القنوات الرسمية برسوم تنافسية ومعدّلات صرف شفّافة، وحوافز ادخار للمغتربين بالريال (أذون ادخار للمغترب). 
12) توحيد المعايير عبر المناطق: مسارات تنسيق مصرفي وفني تدريجي للحد من التشظّي وتكاليف الامتثال وتعارض القواعد، بما يخفّض مخاطر النظام ككل. 


خلاصة تنفيذية
• ما الذي تغيّر؟ حملة رقابية صارمة على الصرافة + أدوات نقدية نشطة (مزادات عملة، أذون/سندات) + تحديث الدفع—> انكماش المضاربة، امتصاص سيولة، واستقرار نسبي في أغسطس 2025. 
• ما المخاطر؟ عجز مالي كبير، تشظّي مصرفي، ومحيط خارجي عالي المخاطر. 
• كيف نحافظ على الانجاز؟ الاستمرارية والشفافية في الأدوات، ضبط مالي واقعي في كل المؤسسات والمناطق، رقمنة المدفوعات، وتعميق السوق المحلي للأوراق الحكومية، مع بناء احتياطي وقائي وتنظيم تحويلات المغتربين.


**مراجع أساسية مستخدمة:

تقارير «التطورات النقدية والمالية» الصادرة عن البنك المركزي في عدن (يوليو 2024، مارس وأبريل 2025)،

وصفحات الأخبار/القرارات الرسمية للبنك خلال أغسطس 2025،

وتحليلات مستقلة عن العجز المالي وسياق المخاطر. 


توصيات عامة لتعزيز العملة اليمنية والاقتصاد
أولاً: على المستوى النقدي والمصرفي

• الاستمرار في ضبط سوق الصرافة عبر حملات تفتيش مستمرة، وتفعيل العقوبات على الجهات المخالفة، ونشر القوائم المحدثة بالمصرح لهم.
• زيادة جاذبية الادخار بالريال من خلال رفع عوائد الودائع والأدوات المالية بما يغطي التضخم، وتقديم منتجات ادخار للمغتربين بعوائد تفضيلية.
• إطلاق سوق ما بين البنوك لتداول السيولة بالريال وتخفيف الاعتماد على السوق الموازي في التسويات.
• تعميق أدوات الدين المحلي بآجال متنوعة (قصيرة، متوسطة، طويلة)، وتحويلها إلى أداة تمويل مستدامة بدل التمويل التضخمي.
ثانياً: على المستوى المالي والهيكلي
• ضبط العجز المالي عبر ترشيد النفقات التشغيلية، وإعادة ترتيب الأولويات نحو الإنفاق الاستثماري المنتج.
• توسيع الإيرادات غير النفطية من خلال تحديث نظام الجمارك والضرائب، واعتماد نظام دفع إلكتروني شفاف للجبايات. والزام كل المؤسسات بالتوريد المركزي والمحوكم.
• تحسين إدارة الموارد العامة في المنافذ البرية والبحرية والجوية، للحد من التهريب وزيادة التحصيل.
ثالثاً: على مستوى التجارة والتدفقات الخارجية
• تأمين خطوط ائتمان خارجية للسلع الأساسية بأسعار تفضيلية، وتوجيهها فقط عبر القنوات الرسمية.
• حماية تحويلات المغتربين بتقليل رسوم التحويل، وتوفير أسعار صرف تفضيلية عبر البنوك المرخصة.
• تعزيز الصادرات غير النفطية عبر دعم الإنتاج الزراعي والسمكي والصناعات الصغيرة الموجهة للتصدير.
رابعاً: على مستوى البنية المالية والرقمية
• تسريع رقمنة المدفوعات لكل التعاملات الحكومية (رواتب، ضرائب، جمارك) لتقليل التداول النقدي.
• توسيع الشمول المالي بإنشاء فروع مصرفية متنقلة في المناطق الريفية، وتقديم خدمات بنكية رقمية منخفضة التكلفة.
• تعزيز الشفافية عبر نشر بيانات مالية ونقدية دورية مفصلة، لرفع الثقة بالريال اليمني داخلياً وخارجياً.

 

رابط الفيس بوك

حميع الحقوق محفوظة ل مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية ---- برمجة وتصميم ALRAJIHI