الدكتورة/ بثينة عبدالله إسماعيل السقاف عميدة كلية العلوم الإدارية والمصرفية - جامعة لحج
أولويات الملف الاقتصادي في مفاوضات السلام في اليمن
الدكتورة/ بثينة عبدالله إسماعيل السقاف
عميدة كلية العلوم الإدارية والمصرفية - جامعة لحج
ديسمبر 2023
الملخص
يعاني اليمن من تعدد السلطات التي تتنازع مع الحكومة المعترف بها دولياً في معظم المناطق والمحافظات اليمنية، كما هو الحال في مناطق شمال اليمن التي تحت سيطرة أنصار الله مع تفكك منظومة العمل العامة على كافة المستويات الاقتصادية والنقدية والمالية في ظل مؤسسات ضعيفة وغير متجانسة، والتي تعاني من الانقسام ومحدودية السلطة بخلاف ما كان عليه الحال قبل الحرب وسط مركزية مؤسسات الدولة حيث تخضع لإدارة الوزارات التنفيذية.
إن أهم ملفات القضايا الاقتصادية في أجندة عمليات مسارات السلام، وتتمثل في الصراع والاستحواذ على الإيرادات السيادية، وعدم صرف المرتبات في ظل انقسام مؤسسات الدولة، والتي تعد أهم القضايا التي يحملها الملف الاقتصادي اليمني أثناء مشاورات السلام، كما أنَّ جميع القضايا المطروحة على طاولة التفاوض ستتأثر بالاتفاق، وبما تم التوافق عليه بين الأطراف الكامنة في الصراع، تقدم الورقة في مضمونها تحليلاً لموضوع في غاية الأهمية لأولويات الملف الاقتصادي التي تناقشها مفاوضات عمليات السلام، والمتمثلة في الصراع والاستحواذ على الإيرادات السيادية وعدم صرف المرتبات في ظل انقسام مؤسسات الدولة، التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد اليمني خاصة المؤشرات الخاصة بالمتغيرات الاقتصادية، كسعر الصرف، عجز الميزان التجاري، وعجز الموازنة العامة للدولة خلال الـ9 سنوات من الصراع.
أولاً: ماهية القضايا في الملف الاقتصادي:
تتجلى أهم القضايا التي يتناولها الملف الاقتصادي في المشاورات اليمنية في انقطاع صرف المرتبات وعدم توريد الإيرادات، وانقسام المؤسسات الاقتصادية النقدية المركزية للدولة، مما أثر بشكل كبير على جميع فئات المجتمع، وعلى تشرذم الموارد المالية وضعف تحصيلها، ويمكن تناول تلك القضايا حسب كأولويات عاجلة في الملف إذ لابد من الاتفاق على آليات معالجتها وهي المرتبات، وعدم توريد الإيرادات إلى الحساب الحكومي في البنك المركزي، و انقسام المؤسسات الاقتصادية الذي أفضى إلى وجود عملتين بسعري تبادل مختلف.
ثانياً: انقطاع صرف المرتبات:
يعيش اليمن ظروف صعبة بسبب الأزمات المتعددة التي تواجهها، ومن بينها أزمة مرتبات الموظفين، حيث تعد واحدة من أبرز التحديات التي تؤثر على حياة المواطنين واستقرار وضعهم المعيشي، كما تسبب توقف صرف رواتب الموظفين على القدرة الشرائية والحياة المعيشية للمواطنين، وبالتالي على تفاقم البطالة، حيث أصبح الموظفون يواجهون صعوبة في العثور على فرص عمل مستقرة ومدفوعة بأجر مناسب، مما يزيد من الضغوط عليهم في محاولة لتلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.
الجدول 1
المرجع: من إعداد الباحثة بالاعتماد على المصدر التالي: الإجراءات الاقتصادية لبناء الثقة، رواتب موظفي الخدمة المدنية، إعادة تصور اقتصاد اليمن، 18 مارس2019م، متاح على الرابط التالي: |
ومن خلال محتوى الجدول(1) تتجلى أهمية أولويات الملف في المشاورات السلام، حيث أن هناك نسبة كبيرة من العاملين في القطاع العام المدني والبالغ عددهم 472 ألف موظّف يعملون لدى السلطات المحلية ونسبتهم 87.6% من إجمالي الموظفين العاملين، وبالذات في قطاعات التعليم والرعاية الصحية العامة مقابل 12.4% في السلطات المركزية، كما أن ما نسبته 70% من أصل 653 ألف موظّف في القطاع العسكري والأمني يعملون لدى وزارة الدفاع، فيما يعمل ما نسبته 28% من موظّفي هذا القطاع لدى وزارة الداخلية، و2% لدى جهاز الأمن السياسي،
إن ايقاف التوريدات للموارد المالية زاد معاناة الحرب وفقد الدولة لمصادر دخلها، كان تأثيره كبيراً على الموازنة العامة للدولة، ومن ثم ظهرت آثاره على التنمية على كافة القطاعات بشكل عام، وإن انقسامات المؤسسات أدى إلى ازدواجية وتباين في السياسات النقدية وتدفقاتها وطرق تمويل وعجز المالية العامة، وتعدد أسعار الصرف وازدواج التعامل الخارجي. والمتتبع للمؤشرات الاقتصادية الكلية، يُلاحظ انخفاضاً انكماشياً تراكمياً للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ بداية الصراع بنحو(50%)، مما انعكس سلباً على الأسعار والأنشطة التجارية، كما أثر الصراع على تراجع حجم الصادرات بشكل كبير، إذ انخفض إنتاج النفط والغاز بنسبة (90%) عمَّا كانا عليه عام 2014م، وكانت صادراتهما تُشكِّل نسبة (90%) من صادرات البلاد، وثلث إجمالي الناتج المحلي، وايراداتهما تمول أغلب فاتورة الاستيراد للسلع الغذائية، تزامن ذلك مع تراجع حجم الصادرات الزراعية بنسبة (75%).
وفي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020م قُدَّرت الخسائر الناتجة عن تضرُّر التجارة الخارجية عموماً بحوالي(36) ملياراً و(285) مليون دولار، مما أثر على بلوغ نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي (81.7%) عام2020م. وبحسب دراسة قام بها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يصل تقدير الخسائر الاقتصادية إلى حوالي (88.68) مليار دولار أمريكياً في حال توقف الصراع في عام 2019م، إلاَّ أنَّ الصراع ما زال مستمراً والخسائر تتزايد.
إن بقاء إيرادات الدولة المركزية خارج خزائن البنك المركزي أثر بشكل قوي على مهام الدولة وقيامها بمسؤولياتها القانونية في صرف مرتبات الموظفين، فالدولة باتت في هذه الحالة محرومة من إيراداتها المالية القادمة من مصارفها وقنواتها المتعارف عليها، كرسوم الخدمات والضرائب والجمارك، وحتى رسوم الأسواق العامة والمحلات التجارية، وكل ما قد يفرض على المواطنين من أموال، حيث أن جميع ما يفرض من قبل السلطات المحلية في المحافظات والمديريات لا يُعرف مصيرها أو أين تذهب بشكل علني وواضح، لكن الشيء المؤكد أنها لا تذهب ولا تورد إلى حسابات الحكومة في البنك المركزي.
ولإظهار الترابط بين صرف الرواتب والموارد المالية للدولة حيث أن رواتب ومعاشات القطاع الحكومي استحوذت على حصةٍ كبيرةٍ من الكتلة النقدية في الدورة الكلية للاقتصاد، والدورتين النقدية والمالية، ويوضح ذلك من خلال الجدول:
الجدول 2
المرجع: من إعداد الباحثة بالاعتماد على المصدر التالي: الإجراءات الاقتصادية لبناء الثقة، رواتب موظفي الخدمة المدنية، إعادة تصور اقتصاد اليمن، 18 مارس2019م، متاح على الرابط التالي: https://devchampions.org/ar/publications/policy-brief/civil-servant-salaries/ |
كما أن حجم الانفاق العام لإجمالي مرتبات موظفي القطاع العام تشكل أحد أكبر بنود الإنفاق العام في إطار الموازنة العامة للدولة وبنسبةٍ وصلت إلى 32% من الإنفاق الحكومي بين عامي 2001 و2014، وبلغ معدل الإنفاق على رواتب القطاع العام في العام 2014 حوالي 1.14 ترليون ريال يمني، أي ما كان يعادل في ذاك الوقت 5.3 مليار دولارٍ أمريكي، مع العلم أن جزءا كبيرا من رواتب القطاع الاقتصادي يدفع من عوائد منفصلة عن الموازنة العامة للدولة.
بعد صدور قرار نقل مقر البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، أصبح هناك بنكين مركزين مما أفضى إلى انقسام في الجهاز المصرفي ليس هذا فحسب أدى إلى ازدواجية وتباين في السياسات النقدية وتدفقاتها وطرق تمويل وعجز المالية العامة، وتعدد أسعار الصرف وازدواج التعامل الخارجي، كما صنفت بنوك ممتثلة وبنوك أخرى غير ممتثلة لإدارة البنك المركزي – عدن- التابع للحكومة المعترف بها دولياً، في حين حذر البنك المركزي اليمني في صنعاء التابع للحوثيين البنوك مراراً من مشاركة بياناتها مع البنك المركزي اليمني في عدن وهدد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد من يقومون بذلك.
وفي 29 نوفمبر2022، أصدر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي الذي يديره جماعة أنصار الله تعميماً يأمر منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ووكالات الإغاثة بقطع العلاقات المالية مع البنوك الثمانية التي تشارك بياناتها مع البنك المركزي اليمني في عدن إذا رغبت في الاستمرار في تنفيذ برامجها، أفضى كل ذلك إلى تعميق ضعف المؤسسات وهشاشتها مع إضعاف دورها في التعافي وإعادة الإعمار في المرحلة الانتقالية وعند إحلال السلام في اليمن.
الخلاصة:
مما سبق عرضه يتضح أن أولويات الملف الاقتصادي تترابط مع بعضها البعض فاستدامة صرف المرتبات موظفي القطاع العام ( الأمني والمدني) يقترن بمدى تحصيل الموارد المالية وإحكام قبضة الدولة على مؤسساتها في التوريد، كما أن الاستقرار الاقتصادي مرتهن بإنهاء الحرب الاقتصادية وتوحيد السياسات النقدية وإنهاء الانقسام المالي مع وضع آلية محكمة ومزمنة لتوحيد أسعار صرف الريال اليمني المتداول في الأراضي التي يسيطر عليها أطراف الصراع في صنعاء وعدن.
خلصت الورقة إلى مجموعة من النتائج أهمها:
خلصت الورقة إلى توصيات وهي:
قائمة المراجع والمصادر: